النقاش الحاصل هذه الأيام حول الاعلام الرياضي ومسؤوليته في الاحتقان والانقسام الحاصل في الأوساط المهنية و الجماهيرية يستوقفني مثل غيري من الإعلاميين لإثرائه والوقوف عند أسبابه وتداعياته، وما يجب فعله للارتقاء بالممارسة الإعلامية الى مستويات أفضل، تواكب التحولات التي تشهدها الجزائر ويعرفها العالم ، بعيدا عن محاكمات غير عادلة واتهامات باطلة من جهة ، وبعيدا عن تنصل بعض الزملاء من مسؤولياتهم المهنية والأخلاقية التي تفرض عليهم الالتزام بالمهنية والمسؤولية في تناول الأخبار وتحليلها والتعليق عليها ، انطلاقا من مبدأ “الخبر مقدس والتعليق حر” ومبدا آخر يقر “بحق الاختلاف وواجب الاحترام” في التعاطي الإعلامي مع الأحداث.
صحيح أن المشهد عرف انزلاقات كثيرة في بعض البرامج التلفزيونية والمواقع الالكترونية من زمان بسبب الفوضى التي عرفها المشهد، و البحث عن الاثارة في الممارسة على حساب المهنية، وتجاوز بعض الإعلاميين والمحللين لكل حدود، لكن غياب المرافقة والمراقبة من طرف السلطات العمومية جعلت بعض وسائل الإعلام تعتقد أنها على صواب في طروحاتها وطريقة معالجتها للأحداث الرياضية، بل كانت نفس السلطات العمومية تستعمل بعض الصحافيين ووسائل الإعلام للقيام بمهام قذرة تجاه الإداريين والمدربين وحتى تجاه زملاء إعلاميين لم يسلموا من ممارسات لا مهنية ولا أخلاقية شوهت المشهد، وشكلت خطرا على الأمن العام ومعنويات الجمهور المتلقي وغذت مشاعر الحقد والكراهية بقصد أو من دون قصد.
البعض يعتقد أن المشكلة ليست في الصحفي الرياضي والصحافة الرياضية فقط، بل في الصحافة الجزائرية بكل أنواعها في كل المجالات وفي كل وسائل الإعلام العمومية والخاصة، المسموعة والمرئية والمكتوبة والالكترونية بسبب الفراغ الذي سببه غياب القوانين والضوابط التي تحكم الممارسة على مدى سنوات طويلة قبل أن يتم اعتمادها في البرلمان مؤخرا، وبالتالي لا يمكن تخصيص الإعلام الرياضي دون غيره ولا تعميم الحكم على كل الإعلاميين والمحللين خاصة بعد أن تعود الجمهور على الاثارة في معالجة الأحداث لسنوات طويلة حتى ساد الاعتقاد أن الإعلام الحقيقي هو هذا الذي يسود حاليا ، ويتميز بالصراخ والتهريج والتهييج والتخوين واللعب على العواطف، والافتراء والتهجم على الغير، وإطلاق الأحكام على الفاعلين في المجال الرياضي.
تنظيف المشهد الإعلامي الرياضي يتطلب من وسائل الإعلام العودة إلى ممارسة مهامها فقط في الإعلام والترفيه والتثقيف والتنوير والتحليل، ولا تنصب نفسها وصية على المشهد الرياضي، ويقتضي من السلطات العمومية مرافقة الإعلاميين وليس اتهامهم ومحاكمتهم ، و يتطلب من السلطات المعنية إلقاء نظرة على وسائط التواصل الاجتماعي التي التي صارت مصدرا للمعلومة، و منبرا يصنع الرأي ويؤثر على المشهد الرياضي دون حسيب أو رقيب بفعل مؤثرين ركبوا الموجة وخرجوا يتهكمون بدورهم على الصحافيين والمحللين في مختلف وسائل الإعلام ، ونصبوا أنفسهم أوصياء على الكرة والمنتخب الجزائري و بلماضي و وليد صادي ، و فرضوا منطقهم الذي يقوم على التهريج والتهييج لكسب مزيد من المشاهدات وإرضاء من يدفع لهم.
ومع ذلك تبقى عودة الاعلام الرياضي الى الواجهة ظاهرة صحية ، ضرورية لتقييم تجربته بعد كل حدث ، وليس لتحميله المسؤولية أو تبرئة ذمته من الوضع الحالي، لأنه في نهاية المطاف يبقى مذنبا في بعض ممارساته ، و ضحية ممارسات خارجة عن نطاقه وإرادته خاصة وأنه يهتم بنشاط يلقى متابعة واهتمام من طرف شرائح كبيرة في المجتمع تخوض كلها في الشأن الرياضي بعواطفها ومشاعرها ودون خلفيات مهنية أو معطيات ومعلومات عن المجال وخصوصياته ، ودون أدنى احترام للرأي المخالف الذي يزيد من حجم الوعي في أوساط شبابنا حتى لا يسقطوا ضحايا المعلومة الكاذبة والتحليل الموجه ، وضحايا فاعلين آخرين في وسائط التواصل الاجتماعي التي يريد أصحابها أن يكونوا بدائل عن الإعلام التقليدي .
أما المنتخب الجزائري الذي كان يجمعنا دائما في كل الظروف، فلا يجب أن يتحول الى مصدر تفرقة بين شبابنا مهما كانت تركيبة لاعبيه واسم مدربه و النتائج التي يحققونها ، لأن الجزائر أكبر من كل كبير مهما كبر..
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 4 فبراير 2024