لا علاقة للعنوان بقضية جمال بلماضي مع الاتحاد الجزائري لأن استقالة المدرب من صلاحياته وحده، وإقالته من صلاحيات الإتحاد ، مثلما هو التوافق على فك الارتباط وديا من صلاحيتهما سويا، ومن حق كل طرف منهما الدفاع عن حقوقه ومصالحه المادية والمعنوية ، وهو الأمر الذي لا يختلف بشأنه اثنان ، بعيدا عن المشاعر و العواطف التي تبقى هي أيضا بمثابة حق مشروع لجماهير الكرة في الجزائر، لكن ما أقصده وأرفضه هو استقالة الإعلام الجزائري من المشهد ، واستقالة السلطات العمومية من أداء واجبها وتحمل كل طرف مسؤولياته السياسية والاعلامية والمعنوية والأخلاقية ، أمام تصاعد موجة التهريج والتهييج والتشويش و والتخوين واللعب على عواطف الناس بسبب قضية ثانوية حتى لا أقول تافهة تتعلق بمنتخب كرة، فاز وخسر ، نجح وفشل.
صحيح أن الكرة على مستوى المنتخبات بالخصوص لم تعد مجرد لعبة لذلك تستثمر فيها الدول وتهتم بها الشعوب لأنها واحدة من عوامل إثبات الذات والاعتزاز بالوطن بسبب شعبيتها الجارفة في ظل إخفاقات الكثير من الأمم في مجالات سياسية ودبلوماسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية ، لكنها لم تكن أبدا مصيرية تحدد مدى تقدم الأمم أو تراجعها، ولا يجب أن تكون سببا في الانقسام وتحطيم معنويات الناس، وتفشي مشاعر التذمر في أوساط الشباب العاشق لبلده ومنتخب بلده والمتعصب لفريقه ، ويجب أن يتوقف تأثيره في المكان والزمان دون امتدادات تستغلها جهات داخلية وخارجية لإشعال فتيل الفتنة ، خاصة في وسائط التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام .
الإعلام الرياضي الجزائري مطالب بتحمل مسؤولياته المهنية والأخلاقية حتى ولو اختلف حول مصير جمال بلماضي لأنك ذلك يعتبر ظاهرة صحية وليست سلبية ، في وسط اعلامي حر ومسؤول يعلم ويناقش ويحلل وينور الرأي العام بمهنية واحترافية ، ويفتح المجال للرأي والرأي المخالف، لذلك لا يجب أن يستقيل من المشهد ويترك المجال للإشاعات والأخبار المغلوطة والتحاليل المسمومة التي تنفخ فيها جهات معادية وأخرى تتشكل من مجموعة مرتزقة جاهلة وتافهة ، تسعى لتقزيم دور وسائل الاعلام والاعلاميين حتى تنفرد بصناعة الرأي في مشهد يبدو أنه منظم ومنسق يقوده رئيس تحرير واحد، بل محرض واحد يتناول نفس المواضيع بنفس الشكل والمحتوى والتوجه الذي يسمح لنفسه بتقييم الإعلاميين والرياضيين، دون أن يكون مختص في الإعلام ولا في الرياضة، بل مجرد متابع.
السلطات العمومية المختصة والمعنية بالمشهد لا يمكنها بدورها أن تستقيل عن مهامها، و تتنصل من مسؤوليتها في مرافقة الاعلام والاعلاميين و فرض منطق القانون على المهرجين، وضرورة الزام كل الفاعلين باحترام بعضهم البعض والتركيز على مناقشة الأفكار وليس الأشخاص، واحترام ذكاء الناس ومشاعرهم و خصوصياتهم، وكذا الالتزام بالآداب العامة والأخلاق الحميدة في التعاطي مع حادثة عادية تحدث في كل مكان وزمان تتعلق باستقالة أو اقالة مدرب، يراد لها أن تتحول الى قضية أمة، تلهينا عن قضايا أخرى أهم وأكبر ، وتشغلنا عن مواجهة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وفكرية وأخلاقية، يجب علينا مواجهتها سويا كاعلاميين وسلطات عمومية وأمة تتفاعل مع الأحداث بعقولها وعواطفها على حد سواء .
نظرا لكل هذا أعتقد أن استقالة الإعلام عن ممارسة مهامه، و تخلي السلطات العمومية المختصة عن القيام بواجباتها تجاه المشهد الراهن هو هزيمة ، تفوق هزيمة المنتخب ، لذلك يجب أن ننتصر لوطننا وشعبنا، وينتصر الخير على الشر، والمهنية على الرداءة، والقانون على الفوضى، وينتصر الوعي على الجهل، والحكمة على التهور ، والعقل على العاطفة في كل شؤون الحياة العامة للجزائريين بما في ذلك الاعلامية والرياضية التي قد يعتبرها البعض بلا أهمية ، لكن في الحقيقة الجزئيات والتفاصيل تصنع الفارق، وتؤثر على هذا الكل الذي نريده متميزا في مستوى امكانياتنا وقدراتنا الكبيرة، و مستوى طموحاتنا وتطلعاتنا لبناء مجتمع سوي و متوازن، يفرح ويحزن، لكن لا يسكنه الغرور في حالة الفوز ولا ينكسر عند الخسارة.
الكرة لم تعد مجرد لعبة لذلك تنجم عنها الافراح والأحزان، والاعتزاز أو التذمر، و يتم تجديد الثقة في المدرب أو اقالته أو استقالته، لكن في كل الحالات تلتزم السلطات المختصة بواجباتها، ويلتزم الاعلام بمهامه، وتصبح الاستقالة في هذه الحالة تخاذلا وتقصيرا لايليق بهما، ولا بالأمة على حد سواء، أما استقالة موظف من عمله أو اقالته فهو حق يجب احترامه في كل الظروف والأوقات .
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 11 فبراير 2024
حفيظ دراجي
