hafid derradji

 الاختلاف ظاهرة صحية .. لكن !

 رحيل المدرب الجزائري جمال بلماضي كان محل جدل ونقاشات وتأويلات وردود فعل في الأوساط الإعلامية والجماهيرية في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي انقسم فيها الناس بين مؤيدين يعتقدون أن الرجل أخفق ويجب أن يرحل مثل من سبقوه، ومعارض لرحيله باعتباره صانع فرحة 2019 التاريخية، وبين متحفظ على الطريقة التي تم بها الانفصال بينه وبين الاتحاد الجزائري، وكل ذلك يشكل ظاهرة صحية في مجتمع يتفاعل مع الأحداث سواء بعقله أو بعواطفه، لكن عندما يصل الأمر الى درجة التهريج والتهييج والتجريح في كرامة الناس والتحريض عليهم و التشكيك في نواياهم و وطنيتهم بسبب مواقفهم، يتحول هذا الاختلاف الى نقمة تهدد الأمن العام والاستقرار ، وتكرس الانقسام بين شبابنا ، جعلتنا نشك في كون القضية أكبر من مجرد نقاش عام حول مدرب منتخب.

لقد بلغ الأمر درجة خطيرة من الاحتقان في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي تتطلب تدخل الدولة بعد أن تحول بلماضي من قضية رأي عام الى قضية وطنية ، وتحولت وسائل الإعلام إلى منابر لتكريس الانقسام وتحطيم معنويات الناس، كما تحول فضاء وسائط التواصل الاجتماعي إلى مسرح تجاذبات خطيرة ، تجاوزت حدود النقاش حول بقاء أو رحيل مدرب ، الى محاكمات علنية ومرافعات تمارس العنف اللفظي وتحرض الناس على بعضها البعض من الداخل والخارج ، تغذي الإشاعات وتنشر الأخبار الكاذبة بواسطة حسابات وهمية ، ورؤوس فتنة اجتمعت كلها على قلب رجل واحد ، لا يهمها بلماضي ولا المنتخب الجزائري لكرة القدم ، بل غايتها تحطيم المعنويات ونشر اليأس في أوساط الشباب، والتحريض على شخصيات تزعجها مواقفها.

بعض المراقبين ذهبوا إلى درجة الحديث عن مشروع سياسي كان ولا يزال يخطط لخلط الأوراق بمناسبة الرئاسيات المقبلة تقوده مخابرات بلدان خارجية تزعجها مواقف الجزائر من مختلف القضايا الإقليمية والدولية، و تحسدها على استقلالية قرارها السيد وعدم انخراطها في مسار التطبيع، وإلا فكيف نفسر اصطفاف أبواق جزائرية في الداخل والخارج ،وأخرى أجنبية حول بلماضي دفاعا عن فكرة بقائه على رأس الخضر لمصلحة المنتخب، وهي التي لم تدافع يوما عن الجزائر وشعبها ومصالحها، بل تتصيد سلبياتها ونقائصها، و تمارس التضليل والافتراء والكذب وتتهكم على رموز الجزائر ومؤسساتها ، فاجتمع الشامي بالمغربي على صوت رجل واحد استعمل قضية بلماضي سجلا تجاريا أخذت أبعادا خطيرة مع الوقت ، وكأنها قضية مصيرية للأمة.

طبعا أنا لا أقصد هنا شبابنا الذي تحركه عواطفه تجاه وطنه ومنتخب بلده بعد خيبة كوت ديفوار و يبقى من حقه التعبير عن مشاعره وآرائه في قضية رياضية شغلت الرأي العام ، لكن عندما يصل الأمر درجة كبيرة من الاحتقان تهدد النسيج الاجتماعي والأمن العام والاستقرار، يحق لنا التشكيك في الأمر واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتنقية المشهد الإعلامي وتقنين ومراقبة ما يدور في وسائط التواصل الاجتماعي ويتم تداوله من أخبار كاذبة وصور مفبركة وفيديوهات تحرض على العنف وتسعى لإسكات الأصوات التي تعارض ما صار يعتبره بعض المحللين مشروعا سياسيا بصبغة رياضية، واجهتها بلماضي، ولكن خلفياتها سياسية تمارس التضليل بواسطة حسابات وهمية تكاثرت بالمناسبة، وتمكنت من تغيير قناعات الرأي العام في ظرف زمني قصير.

المنتخب الجزائري هو منتخبنا جميعا، وجمال بلماضي كان مدربنا ، قام بواجبه مقابل حصوله على حقوقه، فنجح وفشل مثلنا جميعا، لكن عندما يتجاوز الاختلاف حوله حدود الاخلاق والادب والاحترام ، ويصل درجة التهريج و التهييج والتحريض والتخوين، ويهدد النسيج الاجتماعي وأمن واستقرار البلد ، ويتحول الى خطر على الأمة، يصبح الاستنفار والتجنيد لوقف النزيف ضروريا بقوة القانون، ويقتضي خوض معركة الوعي على كل المستويات تجاه شبابنا وأولادنا قبل أن يذهبوا ضحايا نقاشات و تجاذبات وصراعات ملطخة بمال فاسد و ممزوجة بحسابات سياسية معادية تتربص بالجزائر، و تتحين كل فرصة لمحاربتها وتحطيم معنويات شعبها.

الوطن أولى وأكبر من بلماضي و مؤيديه أومعارضيه، وأكبر من منتخب الكرة في حد ذاته، سواء فاز أو خسر لأن الفوز الأكبر يحققه العقل والجهد وليس الجهل والتعصب ، ويتحقق في مجالات أهم من الكرة التي تبقى وسيلة ترفيه نهتم بها مثل كل النشاطات الأخرى في مجتمع يحتاج الى ربح معركة الوعي أولا..

جفيظ دراجي

الجزائر الأن 01 فبراير 2024

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل