hafid derradji

 الحرب المزعومة بين الجزائر والمغرب !

   أثارت بعض وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية أخبارا وتوقعات تتنبأ باقتراب وقوع حرب تقليدية بين الجزائر والمغرب على خلفية الأزمة السياسية القائمة بين البلدين منذ عشرات السنين، وتفاقم التوتر في العلاقات الثنائية منذ بروز تحالف الرباط مع تل أبيب الى العلن، وانشاء المغرب منطقة عسكرية جديدة على حدوده الشرقية مع الجزائر، ما أدى إلى قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وإغلاق خط أنابيب الغاز الذي كان يعبر المغرب في طريقه نحو أوروبا، وغلق المجال الجوي امتدادا لغلق الحدود المستمر منذ ثلاثين عاما والذي اعتبرته الجزائر وسيلة لتجنب الحرب ، في حين اعتبره الجانب المغربي إعلان حرب امتدادا لموقف الجزائر الثابت من الصحراء الغربية والذي يشكل في نظر المغرب تهديدا للوحدة الترابية المغربية.

 
رغم قرع طبول الحرب هنا وهناك ، بشكل مباشر وغير مباشر، في أوساط سياسية واعلامية ، محلية وأجنبية عن البلدين، إلا أن العقلاء يستبعدون الأمر، لأن نشوب الحرب يشكل مغامرة لا يحمد عقباها، لن تكون في مصلحة الطرفين أو أحدهما، ولا حتى في مصلحة إسرائيل التي لا يمكنها خوض حرب بالوكالة في مكان أي كان مهما كانت الأسباب، ولا يمكنها أن تفتح جبهة أخرى ، وهي التي لم تقدر على تصفية الجبهة الفلسطينية لحد الآن، إلا إذا كان ذلك في إطار رغبة القوى العظمى في خلق بؤرة توتر جديدة لخلط أوراق المنطقة المتوترة أصلا في شمال افريقيا والساحل الأفريقي خاصة على مستوى مالي والنيجر وموريتانيا والسودان وليبيا وغيرها من البلدان العربية و الافريقية، وهو الأمر المستبعد أيضا لأسباب موضوعية وذاتية .

 
لن أخوض في ممارسات ولا نوايا النظام المغربي رغم يقيني أن الحرب التقليدية لن تصب في مصلحته ولا في مصلحة أمريكا واسرائيل، لكن الأكيد أن الجزائر لا تسعى ولا تريد الدخول في حرب مع أي من جيرانها، لكنها لن تتردد في الدفاع عن شعبها وأراضيها ضد كل معتد، انسجاما مع عقيدة جيشنا الذي لم يسبق له الاعتداء أو التدخل عسكريا خارج أراضيه، وعقيدة دبلوماسيتنا التاريخية التي تتسم بالبراغماتية في التعامل مع الغرب والشرق على حد سواء، والبحث عن مصالحها التي لا تتنافى مع مبادئها ومواقفها الثابتة من القضايا الكبرى في العالم، والالتزام باحترام سيادة الدول وحرمة حدودها، وعدم التدخل في شؤونها، والدعوة دائما الى تحقيق السلم والامن العالميين في كل المحافل والمناسبات.

 
البلد الذي يؤمن حكامه وشعبه بهذه العقيدة لا يمكنه أن يخوض حربا تقليدية ضد أي بلد جار مهما كانت الظروف، لكنه لا يتردد في الدفاع عن سيادته واستقلاله من جهة، ولا يجب ان يتردد في خوض حروب من نوع آخر على جبهات متعددة ضد التخلف والجهل والفساد والظلم بكل اشكاله، وحروب أخرى ضد الارهاب والعنف والمخدرات، و كل الآفات التي تنخر المجتمعات في كل المجالات، وكم هي كثيرة ومتعددة تقتضي منا التركيز و توفير الإمكانيات لتجاوزها والحد من تأثيراتها السلبية على الأفراد والمؤسسات بدلا من تضييع الوقت والجهد في متاهات يراد لها أن تشغلنا عن تحصين الأجيال الصاعدة فكريا وعلميا وأخلاقيا، وبناء اقتصاد قوي والاستثمار في قدراتنا البشرية والطبيعية والمادية الكبيرة.

 
الجزائر تجنبت الحرب عندما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، و أغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي، وحتى و لو بلغت درجة القطيعة و اللاعودة في علاقتها مع المغرب، فإنها تدرك أن استقرار المغرب وكل الجيران العرب والأفارقة هو من استقرار الجزائر، وليس من مصلحتنا الدخول معهم في حروب تقليدية أو حتى وهمية بشكل مباشر أو غير مباشر، مهما بلغت درجة الحملات الإعلامية المتصاعدة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، و التي زادت من حدة التوتر بين الجانبين الجزائري والمغربي خاصة في الآونة الأخيرة والتي بلغت درجة الحديث عن تأجيل انتخابات الرئاسة في الجزائر بسبب ما وصف بالحرب المرتقبة مع المغرب، أو حتى بسبب خلاف وهمي بين مؤسستي الرئاسة والجيش التي يسوق لها الإعلام المغربي والموالين له في الداخل والخارج ، في محاولة للتشويش على الجزائر.

 
رغم مظاهر العداء المعلن والخفي من المغرب وحلفائه إلا أن الجزائر لم تنساق وراء كل الاستفزازات ، و تصرفت بحكمة دبلوماسيتها وعقيدة جيشها وشعبها الذي لم يعادي يوما الشعب المغربي ولا غيره من الشعوب العربية والافريقية، انطلاقا من إيمانه أن الحروب التي يخوضها يوميا للارتقاء بالجزائر هي أهم وأعظم من حرب تقليدية تجاوزها الزمن، الا اذا فرضت علينا بشكل أو بآخر، وعندها ستحول الشعب الجزائري الى جيش قوامه 40 مليون جندي.

حفيظ دراجي

الجزائر الأن 14 مارس 2024

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل