hafid derradji

متى تصبح انتخابات الرئاسة حدثا عاديا؟

 منذ دخول الجزائر عهد التعددية السياسية مطلع تسعينيات القرن الماضي وتراكم المشاكل الأمنية والسياسية والاجتماعية آنذاك، تحولت انتخابات الرئاسة فيها الى حدث مثير للجدل يشغل البلاد والعباد، وتتوقف بسببه الحياة ومصالح الناس كل خمس سنوات، بسبب النفخ السياسي والاعلامي الكبير في موعد دستوري ضروري وعادي ، يراد له أن يتحول الى حدث استثنائي من خلال الحديث عن تهديدات ومخاطر في حالة ترشح فلان أو علان، وتخوفات من ترشح الرئيس المنتهية ولايته من عدمه، ومدى تدخل الجيش وجهات أجنبية في تحديد مصير الانتخابات، وهو الأمر الذي بدأنا نستشعره قبل تسعة أشهر عن موعد رئاسيات ديسمبر 2024.

لقد بلغ بنا الأمر هذه المرة درجة الحديث عن تقديم موعد الانتخابات الى شهر أفريل أو جوان بحجة العودة الى موعدها السابق “أفريل” الذي تم تأجيله سنة 2019 بسبب الحراك وتداعياته، علما أن العهدة الحالية تنتهي وجوبا شهر ديسمبر في نفس موعد بدايتها، في حين راح البعض الآخر يتحدث عن احتمال تمديد عهدة الرئيس عبد المجيد تبون، وبالتالي تأجيل موعد الرئاسيات الى السنة المقبلة ، وكأن أصحابها يريدون ايهام الرأي العام الوطني والدولي أننا نعيش أوضاعا استثنائية مضطربة سياسيا وأمنيا واجتماعيا تقتضي التأجيل، في حين أن استقرار مؤسسات الدولة وانشغال الناس بشؤون حياتهم اليومية المعتادة، وعدم اهتمامها بالرئاسيات قبل موعدها يزعج البعض الإخر ممن تعود على “التخلاط”.

قبل تسعة أشهر عن انتهاء العهدة الرئاسية الحالية راح البعض الآخر يفتي و يتكهن ويتوقع عدم ترشح الرئيس عبد المجيد تبون لعهدة ثانية ، رغم أنه لم يكشف عن نواياه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، ولا يبدو أنه سيفعل قبل اقتراب الآجال القانونية ، كما أن الترشح مجددا من عدمه يبقى من حقه الدستوري لوحده مادام حرا من أي التزام حزبي ، ويقرره بمفرده دون الحاجة الى تطبيل وتهليل، أو دعوات ومطالبات من شخصيات وأحزاب ومنظمات أو جمعيات مجتمع مدني تغوص غالبيتها في نوم عميق، وفقدت الكثير من مصداقيتها، ولم تعد تتجاوب مع الأحداث والمستجدات ، وتنتظر الاستحقاقات الانتخابية لتطل علينا لأجل التموقع وتبرير وجودها.

الذين يريدون الهائنا برئاسيات لم يحن وقتها، راحوا يفسرون التصريحات الأخيرة لبعض السياسيين على أنها تحمل نوايا ترشح، أو اعلان تأييد أو معارضة لترشح الرئيس الحالي قبل الآوان ، في محاولة أخرى للتشويش على المشهد وتعطيل الحياة العامة للناس ، في حين ذهبت بعض الأصوات الى الحديث عن تأييد أو معارضة المؤسسة العسكرية للعهدة الثانية للرئيس تبون ، في محاولة أخرى لزرع الشك من خلال اقحام الجيش في المشهد، دون أدنى اعتبار لسيادة الشعب الذي يبقى مصدر السلطة ، وهو الذي انتخب بوتفليقة وقام بترحيله بعد أيام قليلة من خروجه الى الشارع في حراكه المشهود.

صحيح أن الحياة السياسية في الجزائر تشهد جمودا ملحوظا منذ سنوات، لكن انتخابات الرئاسة لا تزال بعيدة، والحياة يجب أن تستمر في هدوء وطمأنينة الى أن يحين موعدها ، وعندما يأتي موعدها يجب أن تكون حدثا سياسيا مهما ، لكن عاديا لا تتوقف عندها الحياة، ويتم تأجيل كل شيئ إلى ما بعد الرئاسيات ، وتتعطل مصالح الناس بدعوى إجراء الانتخابات، وعندها يمكن القول أننا دخلنا عهدا جديدا، يعطي الوقت للوقت، ويتفاعل مع الاستحقاقات السياسية في حينها ، مهما بلغ حجم التهريج ومحاولات جر الجزائريين مبكرا نحو نقاشات حول الانتخابات ومن يترشح لها ويفوز بها، بدلا من مناقشة الأفكار والمشاريع في بلد يواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة.

أما الرئيس عبد المجيد تبون فمن حقه الترشح لعهدة ثانية اذا أراد لاستكمال ما لم يتحقق خلال العهدة الأولى بسبب أزمته الصحية التي دامت أشهرا، وتفشي وباء كورونا لمدة سنتين ما أدى الى تعطيل الكثير من المشاريع وخسائر بشرية ومالية كبيرة. ومن حق الأحزاب والجمعيات أن تقدم مرشحيها، ومن حق أي مواطن تتوفر فيه الشروط أن يترشح لرئاسة الجزائر، لكن كل شيئ في حينه وموعده، لأن التحديات الداخلية والخارجية التي تنتظرنا سنة 2024 كبيرة ومتعددة في كل مجالات الحياة ، يجب أن نواجهها كلنا، صفا واحدا موحدا حتى ولو اختلفنا في الطرق والوسائل، واختلفنا حول المرشح عندما يحين الموعد.

حفيظ دراجي

الجزائر الأن 03 مارس 2024

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل