الجزائرالآن _بعد خمسة أيام وليالي من الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت مقتل الشاب نائل من طرف شرطي فرنسي، وأدت الى نشوب أحداث شغب وسلب ونهب للمحال التجارية وحرق المباني الخاصة والعامة والسيارات والحافلات ، ما استدعى تدخل رجال الشرطة والدرك وإيقاف آلاف الشبان، دون أن تتوقف الأحداث التي توسعت لتشمل عديد المدن الفرنسية ، شارك فيها فرنسيون وعرب وأفارقة لأسباب تتجاوز بكثير قضية مقتل الصبي، لكن الإعلام الفرنسي ركز كثيرا على المهاجرين وأبنائهم، وذهب بعض المحللين الى المطالبة بتجريد مزدوجي الجنسية الذين ثبت تورطهم في الأحداث من جنسيتهم الفرنسية ، وطردهم من البلاد، بينما ذهب البعض الآخر الى حد تحميل الجزائر مسؤولية التصعيد ، خاصة بعد البيان الذي أصدرته الخارجية الجزائرية ، والذي دعت فيه السلطات الفرنسية إلى حماية مواطنيها في فرنسا.
كل شيئ بدأ بمقتل مراهق مزدوج الجنسية كان يقود سيارة مستأجرة ، تم توقيفه عند نقطة تفتيش وإطلاق الرصاص عليه من طرف شرطي بعد محاولته الفرار، لكن الشرطة الفرنسية ادعت أن الصبي حاول دهس الشرطي الذي كان في حالة دفاع عن النفس عندما قتل الشاب، إلا أن مقطع الفيديو الذي انتشر بسرعة في نفس اليوم أظهر العكس ، وكشف أن الضحية هرب خوفا وليس تهجما على الشرطي، الذي لم يكن ليطلق النار لو كان الشاب فرنسي، مما تسبب في غضب شعبي عارم في أوساط شباب استنكروا التعتيم وتعاطفوا مع عائلة المغدور فدخلوا في مشادات مع الشرطة الفرنسية التي لم تتمكن من مواجهة الغضب المتصاعد رغم تجنيد أكثر من 45 ألف شرطي ودركي وإيقاف مئات المحتجين ، دون أن تتمكن من السيطرة على الوضع .
الرئيس ايمانويل ماكرون في أول رد فعل اعتبر مقتل الشاب “غير مبرر وغير مقبول”، مما ساهم حسب معارضيه في شرعنة الاحتجاج و إذكاء مشاعر الانتقام في أوساط أبناء المهاجرين، خاصة أولئك الذين اغتنوا الفرصة للتعبير عن غضبهم من عنصرية رجال الأمن، ورفضهم للوضع الذي يعيشونه في مجتمع يرفع شعار الحرية والأخوة والعدالة ، لكنه يمارس كل أشكال التمييز والعنصرية ، ويزيد من مشاعر العداء تجاه المهاجرين وأبنائهم ، و يحملهم مسؤولية كل الأفات والمشاكل الاجتماعية التي تعيشها فرنسا ، التي تتحمل بدورها جزءا من هموم ومآسي الكثير من البلدان العربية والإفريقية التي احتلتها ونهبت خيراتها ، وتتحمل مسؤولية عجزها عن إدماج مزدوجي الجنسية في منظومة مجتمع اعتبرت زيدان لاعبا فرنسيا عندما توج بكاس العالم، و ذكرتنا بأصوله الجزائرية عندما نطح المدافع الإيطالي ماتيرازي في نهائي كأس العالم 2006 .
تداعيات مقتل المراهق الفرانكو-جزائري اعادت الى الواجهة الاعلامية ذلك النقاش البيزنطي الذي يعود كل مرة بشأن المهاجرين ومزدوجي الجنسية الذين لم يتمكنوا من الاندماج مع المجتمع الفرنسي حسب بعض المحللين ، رغم أن الأمر يتعلق بمواطنين فرنسيين أيضا من أبناء الجيل الثالث والرابع للمهاجرين، ولدوا في فرنسا وتخرجوا من المدارس الفرنسية ، ليسوا كلهم جزائريين ولا عرب وأفارقة فقط، بل فيهم الكثير من الفرنسيين الذين عبروا بدورهم عن تذمرهم من أوضاعهم الاجتماعية المتردية ، و معارضتهم لسياسات كل الحكومات المتعاقبة ، وتطرف اليمين الذي يشجع على العنصرية والتهميش عندما يستخدم مصطلح فرنسي ، وفرنسي من أصول عربية أو افريقية بشكل خبيث ، ويطالب أبناء المهاجرين بالانسلاخ عن هويتهم وأصولهم وديانتهم وليس بالاندماج كما يدعون.
صحيح أن الاحتجاجات تصاعدت و توسعت لتعم عديد المدن الفرنسية، وطالت مدتها، لدرجة تصاعدت معها موجة الاستنكار عندما ازدادت حدتها و صارت تمس الأشخاص والممتلكات، وتهدد الجمهورية في أمنها وسيادتها وسلطتها، لكنها لم تحدث بسبب الجزائر والجزائريين أو أبناء المهاجرين، بل جاءت تعبيرا عن خلل في منظومة مجتمع فرنسي متناقض ، يعتقد أن هؤلاء وأولئك لم يتمكنوا من الاندماج ، وحان الوقت للتعامل معهم بحزم رغم أنهم فرنسيين ، حيث راح البعض يطالب بإعلان حالة الطوارئ وطرد كل مزدوجي الجنسية الذين شاركوا في الاحتجاجات الى بلدانهم الأصلية، رغم أن أكثرهم لا يحوز على جواز سفر الجنسية الأصلية لكن اسمه محمد، وأجدادهم حاربوا لأجل فرنسا في الحرب العالمية الأولى، وقاتلوا لتحريرها من النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية، وساهموا في تشييد فرنسا.
الشاب القاصر المقتول لم يكن يستحق القتل حتى ولو لم يحترم القانون، والتظاهر والاحتجاج حق مشروع يقره القانون الفرنسي، أما انحراف الاحتجاجات فهو أمر مدان ومستنكر، لكنه ليس حالة استثنائية و ليس امرا جديدا في فرنسا، بل مارسه أصحاب السترات الصفراء قبل سنتين، ومارسه المحتجون على قانون التقاعد قبل أسابيع، والتي لم يكن أبطالها أبناء مهاجرين أو مزدوجي الجنسية ، أو شباب لم يبلغ سن التقاعد حتى يحتج على قانون، بل قادها فرنسيون و متجنسون لم يطالب بعض السياسيين والإعلاميين بسجنهم أو إعدامهم ، أو حتى بمواجهتهم وايقافهم ومعاقبتهم !!
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 3 يوليو 2023