زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى روسيا أثارت بعض ردود الفعل الخارجية الحاقدة التي راحت تتوعد الجزائر بعقوبات غربية وأوروبية على بلد سيد لا يدير ظهره لأصدقائه وحلفائه، يبحث عن مصالحه مثل غيره ، ويريد استعادة مكانته الحقيقة بين الأمم، حتى أنه راح يعرض وساطته لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، في عالم متعدد الأقطاب يرضى بالاصطفاف عندما يكون معه، ويدعو للحياد عندما يكون في غير مصلحته، و عالم أخر كشف عن غله ، كان يتشفى عندما كان بلدنا في غرفة الانعاش لسنوات، وها هو يتوعدنا بالجحيم ، وندعو له بالشفاء من مرض اسمه الجزائر الحرة المستقلة بكل نقائصها وسلبياتها التي نقر بها و نسعى الى تجاوزها دون الحاجة الى التحالف مع الشيطان ، أو التنازل عن مبادئنا ومواقفنا التي يعرفها بوتين وبايدن وماكرون ، ويحترمها العدو قبل الصديق.
في محاولة للتقليل من شأن الجزائر ورئيسها، قالوا في اليوم الأول من الزيارة أن بوتين لم يستقبل تبون في المطار، وهو الذي لا يستقبل ضيوفه عند مدرج الطائرة الا نادرا طبقا لبروتوكول روسي سيد وحر يقبل به كل زائر، وراحوا يركزون على مشية الرئيس وحذاء الرئيس الجزائري الذي يبقى أشرف وأنظف من وجوه قادتهم الذين ارتموا في أحضان سادتهم في الغرب والشرق ولا يجرؤون على الدفاع عن مصالح شعوبهم، والتعبير عن مواقفهم من الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، ومواقفهم من الحروب والأزمات في اليمن وليبيا والعراق وسوريا ولبنان، و من معاناة كل الشعوب المكسورة والمقهورة التي تدافع عنها الجزائر و تدعمها وتساعدها لأجل استعادة سيادتها واستقرارها وكرامتها، من منطلق تجارب قاسية عاشتها الجزائر التي تعرف جيدا معنى الاحتلال والكفاح والحرية والكرامة الانسانية.
في اليوم الثاني من الزيارة قالوا أن بوتين لن يستقبل تبون الذي سافر في نظرهم الى موسكو لأجل حضور منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي وليس في زيارة دولة إلى روسيا، لكن صدمتهم كانت كبيرة عندما تابعوا المشهد المهيب الذي كان قصر الكرملين مسرحا له ، وتابعوا مراسم الاستقبال التي كانت تليق برئيس بلد من حجم الجزائر، فاقت في فخامتها استقبالات بوتين لساركوزي وأردوغان وأنجيلا ميركل وغيرهم من الزعماء والرؤساء ، في وقت كانت الكثير من الأبواق تسوق لاسطوانة تبعية الجزائر لفرنسا ، قبل أن تذهب نفس الأبواق الى حد التلويح بعقوبات فرنسية وغربية على الجزائر التي تجرأت وتحدت المجتمع الدولي، في وقت يحاصر العالم روسيا ويندد بحربها على أوكرانيا وسياستها العدوانية ضد حلف الناتو.
قالوا أيضا بأن عبد المجيد تبون ذهب الى روسيا لطلب الدعم و الحماية من بوتين فاتضح أن روسيا هي التي كانت بحاجة الى دعم الجزائر في زمن الحصار الذي تعيشه، وهي التي لاتزال بحاجة الى فك الخناق عليها ، و مواصلة بيع سلاحها لحلفائها على غرار الجزائر التي لم تخفي يوما اقتناء السلاح الروسي على مدى ستة عقود ، كانت فيها العلاقات مع روسيا معلومة لدى الجميع مثلما هي مع الصين والهند وتركيا وإيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، والتي تتميز بالاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة بين كل الأطراف، بكل وضوح وشفافية ، فعبر الرئيس الجزائري في قلب الكرملن عن رغبته في القيام بوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وأعلن أن بلدنا سيد، لا ينافق ولا يخادع ، ولا يخاف لومة لائم مادام مؤيدا للسلام والأمن والقيم والمبادئ التي تقرها المواثيق والهيئات الدولية.
بعض المرضى وصفوا زيارة الرئيس الجزائري الى روسيا بالانتحار السياسي الذي يعرض الجزائر للعقوبات الغربية ، والبعض الآخر اعتبرها حملة انتخابية مسبقة للرئيس تبون ، لكن يجب أن تكون رئيس الجزائر حتى تزور روسيا في هذه الأثناء ، وتكون ضيف شرف المنتدى الاقتصادي العالمي، و ترد بشجاعة على سؤال حول احتمال تعرض الجزائر لضغوطات من أجل وقف اقتناء السلاح من روسيا وتقول “أن الجزائريين ولدوا احرارا وسيبقون كذلك في قراراتهم وتصرفاتهم”، وهي الجملة المعبرة فعلا عن تفكير كل الجزائريين دون استثناء، خاصة وأنها كانت عفوية ، لم تأتي في سياق خطاب سياسي جاهز مسبقا .
الجزائريون من جهتهم عبروا في وسائط التواصل عن فخرهم واعتزازهم بزيارة رئيسهم الى موسكو والحفاوة التي حظي بها، بما في ذلك أولئك الذي يختلفون معه ويعارضون سياسته وبعض خياراته، والذين يدركون أننا لم نرتقي بعد ببلدنا الى ذلك المستوى الذي نريده و نستحقه في مجالات كثيرة ، تقتضي منا التجنيد لمرافقة الجهد المبذول والنوايا الصادقة، أو تقديم المشروع البديل الذي يخدم بلدنا وشعبنا ضمن مسار اللاعودة الى الوراء في علاقاتنا ومواقفنا و صداقاتنا و عداواتنا لمن يصدق معنا أو يعادينا ، أو يقف موقف الحياد لأن رأسمالنا هو سيادتنا وحريتنا ، وفائدتنا هي احترام غيرنا لهذه السيادة والحرية التي نرجوها للجميع دون استثناء، أما رئيسنا فلا يخاف سوى من شعبه، ولا يحميه سوى شعبه، لذلك فهو ليس بحاجة للسفر الى روسيا لطلب الحماية.
ومع كل هذا لم أجد تفسيرا مقنعا لانزعاج البعض من زيارة تبون لروسيا، وهذا الاهتمام غير المسبوق بتفاصيل الزيارة في الشكل والمضمون، وبكل أخبار الجزائر من أطراف غير معنية بشؤون شعب ولد حرا وسيبقى كذلك في كل الظروف ؟
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 18 يونيو 2023