في وقت تتخبط فيه الكرة والرياضة الجزائرية عموما في مشاكل لا تعد ولا تحصى، تقتضي منا تظافر الجهود لتقييم وتقويم منظومة رياضية تعيسة، خرج وزير الشباب والرياضة السابق السيد عبد الرؤوف برناوي بتصريحات مثيرة يتهم فيها السيد محمد راوراوة رئيس الاتحادية السابق بالتدخل في صلاحياته عندما كان وزيرا سنة 2019، و مطالبته بإقالة رئيس الاتحادية آنذاك السيد خير الدين زطشي و مدرب المنتخب الوطني جمال بلماضي ، وهي التهمة التي فندها السيد محمد راوراوة في رده عليها، لكنها أثارت ردود فعل متباينة في وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبرها البعض في غير محلها ولا وقتها ، و أدرجها البعض الآخر في خانة الحرب الخفية على خلافة رئيس الاتحادية الحالي جهيد زفزاف الذي صارت أيامه معدودة على رأس الهيئة الكروية الجزائرية.
بغض النظر عن صحة كلام السيد عبدالرؤوف برناوي من عدمه فإن الوزير ورئيس الاتحاد السابقين، وكل الفاعلين في الشأن الكروي يدركون أن وزير الشباب والرياضة لا يمكنه اقالة أي رئيس اتحادية أو أي مدرب وطني لأن ذلك يعتبر من صميم صلاحيات الجمعية العمومية والمكتب الفدرالي دون غيرهما ، كما أن الكشف عن الأمر في هذا الوقت بالذات، بعد سنوات من وقوعه لن يضيف للرأي عام شيئا، ولن يفيد الكرة الجزائرية التي تبقى في حاجة إلى تظافر جهود رجال يحملون مشروعا، يخدم المنظومة الكروية في أجواء يسودها الهدوء والطمأنينة و الالتزام التام بتطبيق القوانين و احترام الأخلاقيات التي تفرضها ممارسة المسؤولية في أي مجال كان.
لو كنت مكان السيد عبدالرؤوف برناوي لما أطلقت هذه التصريحات الأن حتى ولو كانت حقيقية خاصة وأن المعني بالكلام جمال بلماضي ما يزال في منصبه، ورئيس الاتحاد الحالي يمر بظروف صعبة نتيجة الاخفاقات المتتالية منذ مجيئه، بل كان من الأجدر بالسيد الوزير كشفها والتنديد بها في حينها، أو على الأقل بعد تتويجنا بكأس إفريقيا للأمم سنة 2019 للتأكيد على أن راوراوة كان مخطئا في مطالبة الوزير باقالة زتشي وبلماضي حسب ما صرح به، في سياق لا يستدعي العودة الى سنة 2019 الا لتثمين التتويج الرائع للجزائر بلقب كأس أمم أفريقيا في وقت كان فيه السيد برناوي وزيرا للرياضة ، وفي ظرف عصيب كانت تعيشه الجزائر، ولم يكن فيه أي أحد يتوقع ذلك التتويج .
لو كنت مكان عبدالرؤوف برناوي عندما كان وزيرا، لأوقفت محمد راوراوة عند حده، في حينه وطالبته بعدم التدخل في شؤون لم تعد تعنيه منذ غادر رئاسة الاتحادية سنة 2017 ، ودافعت عن رئيس الاتحاد والمدرب الوطني أنذاك ، من باب المسؤولية السياسية والأخلاقية التي تفرض على وزير جمهورية أن يمنع أي تدخل خارجي في صلاحياته، و يحمي إطارات القطاع عندما يؤمن بقدراتهم ، لكن بمجرد مغادرته لمنصبه يلتزم بمبدأ التحفظ، ويمتنع عن كشف أسرار المهنة والمهمة التي أوكلت له، والكشف عن خبايا ونقاشات دارت بينه وبين مختلف الفاعلين ، إلا اذا كانت غايتها نبيلة تخدم مصلحة الكرة ولا تفرق بين أهلها، أو تثير الفتنة في وسائل الإعلام و وسائط التواصل الاجتماعي.
لو كنت في مكان السيد عبد الرؤوف برناوي لركزت في خرجاتي الإعلامية كوزير سابق على ضرورة الالتفاف حول رئيس الاتحادية والمدرب الوطني و مساعدتهما على تأدية مهامهما بدلا من النبش في أمور من الماضي لا تنفع بقدر ما تزيد من حدة الاحتقان في ظروف صعبة يمر بها الاتحاد الجزائري، وظروف أخرى أصعب تشهدها الكرة الجزائرية بجميع منتخباتها التي أخفقت في جميع المسابقات القارية ، و باتحاديتها التي لم ترقى في مهامها إلى مستوى التطلعات، أما إذا كانت تصريحات السيد الوزير بداية لحملة انتخابية وشيكة لرئاسة الاتحاد الجزائري في ظل المعطيات التي تشير الى قرب رحيل زفزاف فهي طامة كبرى ، لأن السيد الوزير سيصبح في هذه الحالة طرفا في صراع لا يعنيه بشكل مباشر، ولا حتى غير مباشر.
لو كنت في مكان السيد الوزير السابق لدعوت راوراوة و زطشي و شرف الدين عمارة وغيرهم من المسيرين السابقين والحاليين الى وضع أيديهم في أيدي رئيس الاتحاد الحالي جهيد زفزاف للفوز بمقعد في المكتب التنفيذي للكاف، و الفوز بتنظيم نهائيات كأس أمم افريقيا، والمساهمة سويا في تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها الكرة الجزائرية، وساهمت معهم كوزير سابق في تخفيف الضغوطات على المدرب الوطني جمال بلماضي ، و تجنبت إثارة مواضيع هامشية وثانوية بلا جدوى، ودعوت كرجل دولة إلى ضرورة التفكير في مستقبل الكرة الجزائرية بغض النظر عن اسم رئيس الاتحاد والمدرب.
لو كنت في مكان الوزير السابق، لما تسببت في إحراج الوزير الحالي و رئيس الاتحاد الحالي والمدرب الوطني الحالي برواية لا فائدة من ذكرها بغض النظر عن صحتها من عدمها، لأننا لو نكشف كل ما قيل لنا و ما نعرفه عن غيرنا ، لن نخرج من دوامة الاحتقان والانتقام وتصفية الحسابات..
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 11 يونيو 2023