الجزائرالآن_ معروف عند عامة الناس أن الكرة لعبة ، فيها فوز وخسارة يمارسها أكثر من 300 مليون لاعب ويتابعها ما يقارب المليارين من البشر، صارت مع الوقت اقتصاد وتجارة ومصدر لتحقيق الربح المادي ، و وسيلة لتحقيق الذات و الافتخار والاعتزاز بالأوطان من خلال النوادي والمنتخبات، لكن بالنسبة للاعبين والمدربين تبقى مرتبطة بالنتائج ، حيث يتخلى عنهم الجمهور والصحافة عند الاخفاق ، ويلتف حولهم الجميع عند النجاح وهي علاقة جدلية تحولت الى قاعدة يخضع لها الجميع ، حيث يكون اللاعب والمدرب في أغلب الأحيان بحاجة الى فوز حتى يستقر ويستمر، أكثر من حاجته الى الجهد والحظ حتى يفوز..
في الجزائر عينات وأمثلة كثيرة في الكرة وباقي الرياضات ، ومنها ما حدث لمدرب المنتخب الوطني السابق جمال بلماضي الذي رافقه الرسميون والصحفيون والجماهير بعد أن حقق بطولة كأس أمم إفريقيا 2019 ، وسلسلة 35 مباراة دون خسارة، لكن بمجرد إخفاقه في كأس أمم أفريقيا في الكاميرون، وفي التأهل إلى كأس العالم 2022 ، تراجعت شعبيته وتخلى عنه الكثير ممن رافقوه عندما نجح ، وهو نفس الأمر الذي حدث مع رابح سعدان مرات كثيرة في مشواره التدريبي، وقبله المرحوم عبد الحميد كرمالي بعد تتويجه بكأس أمم إفريقيا 1990 ، وخروجه من الدور الأول في دورة السنغال بعدها، حتى صار الأمر قاعدة متعارف عليها يجب تقبلها.
اللاعبون بدورهم يتعرضون لنفس المصير بشكل تلقائي مثلما حدث لرياض محرز الذي لم يرافقه أحد لمساعدته في بداية مشواره مع المنتخب عندما التحق به سنة 2010، و عندما تألق في ليستر الانجليزي، ثم المان سيتي، ومع المنتخب في كأس أمم إفريقيا 2019 ، وجد كل الدعم والتشجيع، لكن بعد الاخفاقات المتكررة منذ دورة الكاميرون 2021 تراجعت شعبيته، وتعرض لانتقادات كثيرة أثرت على مردوده ومعنوياته، ودفعته الى الاعتذار عن الالتحاق بالمنتخب هذه المرة، والتفكير في اعتزال اللعب دوليا ، هروبا من جماهير تقدره وتحبه وتعتبره أحد أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة الجزائرية، لكنها غضبت منه ،وهو أمر عادي وطبيعي يقتضي صبرا وجهدا للعودة الى المستوى المعهود.
القاعدة التي تنطبق على لاعبي ومدربي الكرة هي عامة لأن النتائج هي صديقتهم ، أمام جماهير تحركها المشاعر، وإعلاميين يتحلى بعضهم بالذاتية ، و يسايرون أحيانا الرأي العام في تعاملهم مع الفوز والخسارة ، وأمام رسميين كذلك يسايرون الرأي العام وتوجهاته، حيث لم يجد بلماضي هذه المرة الدعم الرسمي من نفس السلطات التي وقفت الى جانبه حتى في الظروف الصعبة بشكل لم يسبق له مثيل، قبل أن تتخلى عنه بضغط من الشارع والاعلام ، خاصة لما شعرت أنه تحول الى خطر على منظومة اجتماعية ورياضية كانت دوما تفرق بين النجاح والفشل ، لكنها في زمن بلماضي أريد للقاعدة أن تتحول الى استثناء، قبل أن يتم تدارك الأمر والاحتكام إلى قوانينها.
حتى رؤساء الاتحاديات كانوا دائما يخضعون لسلطة النتائج ، فيرحلون عند الاخفاق ويستمرون مادام النجاح قائما ماعدا بعض الاستثناءات المؤقتة لرؤساء سقطوا لدواعي خارج نطاق القاعدة بغض النظر عن نجاحهم أو فشلهم المرتبط بنتائج المنتخب الأول دون غيره، بينما يجد الملاكم والعداء والمصارع، نفسه في الرياضات الفردية بحاجة الى تحقيق بطولات حتى يرافقه المسؤولون والممولون ويخطف أنظار المتابعين، فيثير الاهتمام عندما ينجح، ولا يرافقه أحد لمساعدته على النجاح في بداية مشواره في منظومة رياضية استثنائية تخضع لقواعد يصعب فهما ، لكن يجب التعامل معها كما هي بكل ما يحيط بها من خصوصيات.
خصوصيات الكرة وباقي الرياضات عند الفوز أو الخسارة، والفشل أو النجاح تفرض على كل الفاعلين الاحتكام إليها والاستسلام لتداعياتها ، والاستفادة منها لأنها في كل الحالات تشكل مدرسة قائمة بذاتها نتعلم من تجاربها كل يوم حتى عندما لا تستند على معايير ثابتة وحتى عندما يفشل الناجح وينجح الفاشل لأسباب موضوعية أكثر مما هي ذاتية، تجعلنا دائما نعتقد أن الناجح قد يخسر ويفشل في مشواره ، والفاشل اليوم قد يفوز وينجح غدا، وهو الذي سيحدث لا محالة لجمال بلماضي فيتعلم من مختلف تجاربه وينجح ويفشل مجددا .
حفيظ درادي
الجزائر الأن 21 مارس 2024