كتبت الأسبوع الماضي عن تسييس الرياضة واستعمال كرة القدم بكل تفاصيلها لأجل الاساءة الى الجزائر ومحاولة التأثير على تواجدها في خارطة كرة القدم الافريقية والعربية والعالمية لما لها من أهمية وقوة التأثير على التواجد في المحافل القارية والدولية، واليوم بعد اشتعال فتيل الأزمة الدبلوماسية مع مالي التي استدعت سفيرنا في باماكو للاحتجاج على ما وصفته الحكومة المالية تدخلا في الشؤون الداخلية وأعمال غير ودية تحت غطاء عملية السلام ، على خلفية استقبال الرئيس الجزائري للإمام محمود ديكو وقبله قادة حركات الأزواد في إطار سعيها للتقريب بين أطراف النزاع في البلد الجار ، ما أدى بالجزائر إلى استدعاء سفير مالي في الجزائر، على وقع توتر جديد تسعى للنفخ فيه أطراف أخرى معادية نكاية في الجزائر.
الكرة سياسة تحاول بعض الأطراف المعادية للجزائر استعمالها للاساءة الى الجزائر، ومشاكل الجارة مالي و دول الساحل تحولت إلى سياسة تنتهجها دول لا علاقة لها بالمنطقة في محاولة لإعادة إشعال فتيل الأزمة والهاء الجزائر بمشاكل حدودية أمنية تشغلها عن قضايا أساسية وتحديات أخرى تواجهها ، لذلك حان الوقت لكي نعيد النظر في عديد المسلمات ونبحث عن مصالحنا التي لا تتعارض مع مبادئنا في علاقاتنا مع القريب والغريب خاصة بعد محاولات المغرب الاستثمار في الأزمة بسرعة من خلال استضافة وزير خارجية مالي تحت غطاء تعزيز التعاون مع دول الساحل على غرار مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، حتى ولو لم تكن لها حدود مشتركة معها مثل الجزائر.
الحكومة المالية اعتبرت استئناف تواصل الجزائر مع الانفصاليين الطوارق بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية لمالي ، والجزائر تعتبر تحركاتها متوافقة مع اتفاقية السلام والمصالحة المنبثقة عن مسار الجزائر الذي تم التوقيع عليه بين أطراف النزاع عام 2015 في الجزائر العاصمة وأدى الى استقرار الوضع في شمال مالي خاصة بين الأزواد والمجلس العسكري في باماكو، والذي يعود بالمنفعة على الجزائر التي كانت تخشى دائما تسلل عناصر مسلحة من إقليم الأزواد إلى عين صالح وعين أمناس، لذلك عادت للتشاور مع كل الأطراف المالية المتنازعة بعد الفراغ الذي تركته فرنسا وانسحاب بعثات الأمم المتحدة ، وعودة الصراع بين الحكومة المالية والتنظيمات الجهادية المختلفة في محاولة لاعادة التموقع باستعمال السلاح .
الجزائر لم تعد مرتاحة لعودة الاشتباكات بين مختلف التشكيلات خاصة بين الحكومة المالية والطوارق، لذلك وجدت نفسها مجبرة على اعادة ربط الاتصال مع قيادات كل أطراف النزاع ، ومجبرة على التعاطي مع جميع الأطراف لضمان احترام اتفاق السلم والمصالحة الموقع في الجزائر، وضمان الاستقرار في منطقة الساحل برمتها بما في ذلك في النيجر وتشاد وموريتانيا ، والتي تشكل الهاجس الوحيد عكس أطراف أخرى لديها مصالح اقتصادية وتجارية في المنطقة، و طرف جديد دخل في المعادلة لإشعال فتيل الفتنة والتحريض على الجزائر رغم بعده عن المنطقة، من خلال قيامه بدور وظيفي يفرض على الجزائر مزيدا من الحرص على استقرار الوضع في المنطقة وتجنب عودة الحرب بين الأطراف المتنازعة في مالي.
بوادر الأزمة مع مالي يمكن للجزائر احتواؤها بسرعة دون أدنى تداعيات، لكن التعاطي مع الدول الوظيفية التي تسعى للإضرار بالجزائر هي التي يجب صدها والحد من خطورتها دبلوماسيا من خلال تحسين علاقاتنا مع كل جيراننا خاصة وإيطاليا وألمانيا مالي وليبيا مهما كانت الظروف والتكلفة، وتحسين علاقاتنا مع فرنسا وإسبانيا وأمريكا وروسيا والصين والهند وكل القوى المؤثرة في المشهد الدولي ، والبحث عن مصالحنا أينما كانت دون التنازل عن قيمنا و مبادئنا ومواقفنا الداعمة لحركات التحرر في العالمي، وحق الشعوب في تقرير مصيرها على غرار الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي ، مع التركيز على تطوير العلاقات الثنائية مع البلدان العربية والافريقية بالخصوص على حساب العلاقات المتعددة الأطراف ضمن جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ، والتي صارت تخضع لحسابات سياسية يصعب التعامل فيها مع حكومات فقدت سيادتها وسلطة قراراتها التي صارت تتحكم فيها اسرائيل وأمريكا.
أمن الجزائر يجب أن يبقى أولوية الأولويات، ثم تأتي بعده مصالح الجزائر الاقتصادية والتجارية في زمن التخاذل والتواطؤ مع إسرائيل التي تغلغلت وتغولت في المشرق، و تسعى للتواجد في المغرب العربي و التمدد في القارة السمراء ضمن مشروعها الذي يسعى لتحقيق حلمها الكبير ، والذي يفرض علينا تجسيد حلمنا الأبدي تحت عنوان “الجزائر أولا ، الجزائر ثانيا، و الجزائر أبدا.
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 24 ديسمبر 2023