هي قناعتي مثل الكثير من أحرار العالم، لكن للأمانة هو عنوان افتتاحية صحيفة “هارتس” الاسرائيلية التي اعترف صاحبها بشجاعة الشعب الفلسطيني وبسالته وإيمانه بقضيته، وصبره الكبير على مدى عقود طويلة ، وكأنهم رجل واحد على حد تعبيره الذي لايختلف فيه معه أحرار العالم الذين يقدرون معاني الثورة والكفاح والتضحية والحرية والأرض والعرض والشرف والكرامة، وكل القيم التي لا يؤمن بها المحتل والذليل على حد سواء، لكن الشعب الفلسطيني توارثه عبرتاريخ نضالي كبير كتبه بتضحيات رجاله ونسائه ويكتبه اليوم برجال مقاومته الباسلين، وكل أطياف شعبه الذي شعبه الذي رفض التهجير القسري مفضلا الموت على النزوح أو الرحيل الى بلد أخر لأنه صاحب حق ، يدرك أن الموت بشرف أفضل من حياة الذل والهوان .
كاتب الافتتاحية قال “أن الذي حدث في السابع أكتوبر، ويحدث في غزة منذ أسابيع هو ” نذير شؤم على سياسيين وعسكريين إسرائيليين كانت حساباتهم وقراءاتهم مغلوطة”، خاصة عندما اعتقدوا أنهم احتلوا أرضا “كبارها يموتون وصغارها ينسون” كما قال أول رئيس للوزراء في اسرائيل ديفيد بن غوريون قبل أكثر من ستة عقود، لكن اتضح حسب كاتب الافتتاحية ” أن الفلسطينيين لم ينسوا أنهم أصحاب الأرض فعلا، يضحون من أجلها بشراسة وكبرياء، وإيمان بالنصر” مهما كانت التضحيات والخسائر في الممتلكات والأرواح أمام رابع أقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط مدعم بأمريكا وأوروبا مجتمعة ، وأنظمة عربية خانعة و متواطئة تسعى جاهدة لتصفية القضية الفلسطينية.
كاتب الافتتاحية تحدى دولة إسرائيل بقوله ” أنا كيهودي أتحدى أن تأتي دولة إسرائيل كلها بهذا الانتماء وهذا التمسك والتجذر بالأرض بعد أن أذقناهم ويلاتنا من قتل وسجن وحصار وفصل وتمييز و أغرقناهم بالمخدرات و غزونا أفكارهم بخزعبلات تبعدهم عن دينهم كالتحرر و الإلحاد والشك … لكن الغريب في الأمر أن يكون أحدهم مدمن مخدرات ولكنه يهب دفاعا عن أرضه وأقصاه ، وهو ينادي الله أكبر” ، مجددا الاعتراف ” أن جيوش دول بكامل عتادها لم تجرؤ على القيام بما فعلته المقاومة الفلسطينية في أيام معدودات، فقد سقط القناع عن الجندي الاسرائيلي الذي لا يقهر وأصبح يقتل ويخطف” في اشارة الى طوفان الأقصى الذي حدث في السابع أكتوبر الماضي.
في ختام افتتاحيته نصح الكاتب تل أبيب قائلا ” طالما أنها ذاقت طعم صواريخ المقاومة ، عليها أن تتخلى عن حلمها الزائف باسرائيل الكبرى وتعترف بدولة فلسطينية جارة ، تسالمنا ونسالمها، وهذا فقط ما يطيل عمر بقائنا على هذه الأرض بضع سنين، وأعتقد بأنه ولو بعد ألف عام هذا إن استطعنا أن نستمر لعشر أعوام قادمة كدولة يهودية فلا بد أن يأتي يوم ندفع فيه كل الفاتورة، فالفلسطيني سيبعث من جديد و يأتي راكبا فرسه متجها نحو تل أبيب” ، وهي الخلاصة التي ذهب إليها الكثير من المعلقين على الافتتاحية من مختلف المستويات والأعمار ، وتذهب اليه الكثير من التوقعات والتحاليل في الغرب أكثر مما هي عليه في الشرق رغم ألاف الشهداء والمصابين وكل التدمير الحاصل.
كاتب الافتتاحية كان أكثر تشاؤما بمستقبل اسرائيل وتفاؤلا بنصر الفلسطينيين من الكثير من الساسة العرب ونخبتها ، سواء الذين نددوا بما أسموه عدوان حماس أو الذين أقروا بحق اسرائيل في الرد على طوفان الأقصى حتى ولو اقتضى الأمر محو غزة من الخريطة وابادة كل الفلسطينيين الذين يعيشون فيها أو تهجيرهم الى مصر، وغلق ملف القضية الفلسطينية، دون أن يدركوا أن اسرائيل ستتفرغ بعدها لملفات لبنان والأردن وسوريا والعراق ومصر والعراق والخليج العربي في سبيل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وبناء دولة عظمى في بيت العرب ، ودون أن يدركوا أن المقاومة الفلسطينية تدافع عن أرض فلسطين وأراضي الأمة العربية بأكملها .
نظرا لكل هذا يجب أن نقر نحن أيضا وندرك جميعنا “أن الفلسطينيين أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أرضهم بأرواحهم وأطفالهم وبسالتهم ونخوتهم حتى ولو منعوا عنهم الماء والدواء والغذاء ، وقطعوا عليهم الاتصالات والأنترنت، وقتلوهم كلهم لأنهم سيخرجون من القبور و من تحت الأنقاض، ومن أزقة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ليحرروا وطنهم وأسراهم، والقدس والمسجد الأقصى والكثير من البلاد العربية التي ترزخ تحت الاحتلال غير المباشر لأمريكا واسرائيل.
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 29 أكتوبر 2023