حيثيات طوفان الأقصى وتداعياته تشكل درسا كبيرا للفلسطينيين والعرب، و لنا كجزائريين بشكل مباشر وغير مباشر، ومن يعتقد أننا غير معنيين بالمآلات والمخرجات فهو واهم، لأن العالم كله صار معنى بطوفان قد يجرف معه القريب والبعيد، الصديق والغريب، وينعكس بالسلب أو الايجاب على قضيتنا الفلسطينية ومنطقتنا العربية و جالياتنا في المهجر، وعلى جزائرنا في الداخل والخارج، وحاضرنا ومستقبلنا المعرض لطوفانات أخرى ، تعصف بـ الهش والضعيف سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، وسط تحالفات جديدة تقوم على المصلحة، لا مكان فيها لقيم الإسلام والعروبة ، ولا للبعد المغاربي والمتوسطي، ما يقتضي تقوية الوضع الداخلي وتحصينه من خلال تنشئة الأجيال الصاعدة على تقديس الوطن والجهد والعمل، والالتفاف حول جزائريتنا و كل القواسم المشتركة التي تجمعنا .
أنا لا أقول شعرا، ولا أبيع وهما، ولا أخوض في عالم الخيال، ولا أدعو الى الانطواء حول أنفسنا، بل أدعو للعودة الى الواقع لتجنب الطوفان الذي بدأ يجرف عديد البلدان والشخصيات السياسية والدينية والفكرية وكثير من المؤثرين، ويستفز الشعوب التي استفاقت على أنظمة متواطئة وأخرى متخاذلة، بلا سيادة، لا تقدر حتى على التنديد والاستنكار، ولا تسمح لشعبها بالدعاء للفلسطينيين في المساجد ولا رفع العلم الفلسطيني في مختلف المحافل، ولا يقدر إعلامها على نقل الحقائق بل يساهم في تزويرها، فيلصق الإرهاب بالمقاومة التي تدافع عن ارضها، ويقر بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ، حتى ولو أبادت كل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والأقصى وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أن الحق الفلسطيني هو الأصل، و باقي الحقوق مجرد تفاصيل وتحصيل حاصل.
حتى عندما انقلب الغرب الرسمي والشعبي والإعلامي على إسرائيل بسبب فضاعة جرائمها ضد الأطفال والنساء لم تجرأ عديد الأنظمة على قول كلمة حق، ولن تجرأ بعد اليوم على الدفاع عن نفسها عندما يصلها الطوفان الذي يمتد من النهر الى البحر في عقيدة الإسرائيليين التي لا تؤمن بالسلام مهما بلغ حجم التطبيع، وهو الأمر الذي تدركه الجزائر وشعبها، ويجب ان يؤخذ في الحسبان في كل مساعينا نحو بناء وطننا وحمايته وتحصينه أخلاقيا وتربويا وفكريا وعلميا واعلاميا، وتقوية اللحمة مع مهاجرينا واستقطابهم والاهتمام بهم والاستثمار في قدراتهم في ظل معاناتهم مع العنصرية التي تتصاعد ضدهم في الكثير من بلدان الغرب بالخصوص والتي أبانت عن حقدها وانحيازها للأقوى.
تثمين ثباتنا على مواقفنا واستقلالية قرارنا يمر حتما عبر مزيد من الوعي بضرورة توفير كل حاجياتنا للاستغناء عن غيرنا، لان الحاجة الى الأمن والغذاء، تفقد الكرامة والسيادة، والانقسام والفرقة يشكلان منفذا للاستعمار الجديد، أما التخلف والفقر، وتفشي الظلم والفساد، ومختلف الآفات، فهي توابل تزيد من هول أي طوفان مهما كان صغيرا ، حتى ولو كان محليا دون تدخل أجنبي مباشر، لذلك صرنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى الاهتمام بالمورد البشري وتحصينه وتربيته وتعليمه وتثقيفه ، وبحاجة إلى الاستثمار الأمثل في قدراتنا وتطويرها في كل المجالات ، وتحسين علاقاتنا مع بعضنا وغيرنا، وسط محيط إقليمي و جيوسياسي عدائي ومستفز لمشاعرنا وقيمنا ومبادئنا.
طوفان الأقصى لم يكن عاديا ولا اعتباطيا، تأثيراته تتعدى حدود غزة وفلسطين واسرائيل ، ولن يمر بسلام على البشرية دون استثناء، وعلى معتقداتها و أنظمتها وسياساتها واقتصادياتها ، وكل شعوب العالم التي فتحت أعينها على تخاذل أو وتوطؤ حكامها ، وتناقضات نظام دولي ظالم ومجحف في حق الصغير والضعيف ، والمسلمين والعرب، كما أن الجزائر الصامدة لحد الآن رغم كل الهزات، كانت وستبقى هدفا يراد تحطيمه أو على الأقل إخضاعه و الحاقه بركب المتخاذلين الذين توسعت دائرتهم وازدادت خطورتهم علينا، وصاروا أخطر من أعدائنا المباشرين، لذلك وجب علينا مزيد من اليقظة والحرص على وحدة وطننا وشعبنا، حتى ولو اختلفنا في الطريقة والأسلوب ، وسط طوفان عالمي لم يعري إسرائيل وأمريكا والغرب والاعلام العالمي والمنظمات والشخصيات الدينية والسياسية والثقافية والرياضية، بل تعداه الى كشف ما تخفي النفوس والعقول والقلوب.
حفيظ دراجي
المقالة التاليةالجزائر الان 30 ديسمبر