_ ليس من عادتي اطلاق النار على سيارة الإسعاف التي كان يقودها جمال بلماضي قبل إعلان رحيله البارحة في غرف الملابس ، لكن من واجبي الوقوف عندما حدث للخضر في كوت ديفوار لأخذ العبرة وانصاف كل الأطراف خاصة وأنها المرة الأولى التي يخرج فيها المنتخب الجزائري من الدور الأول مرتين متتاليتين مع نفس المدرب بنقطتين من ثلاث مباريات، وهي أرقام نذكر بها من كل صدع رؤوسنا بلغة الأرقام على مدى أكثر من خمس سنوات في عهد مدرب عنيد، أصر على خياراته ، فنجح وفشل مثلنا جميعا، قبل أن يضطر الى رمي المنشفة مضطرا دون أن يتمكن من تحقيق حلمه بالمشاركة مع الخضر في نهائيات كأس العالم ، بل أعاد نفس الخضر الى ما قبل سنة 2019 .
أذكر جيدا الحملة التي تعرضت لها مثل غيري عندما قلت قبل سنة أن “بلماضي نجح وفشل، وكان صاحب الفضل في التتويج القاري سنة 2019، ويتحمل جزء من مسؤولية الاخفاق في دورة الكاميرون وكان عليه الرحيل بعد الاخفاق في التأهل الى مونديال قطر”، وأذكر جيدا حجم التقديس الذي حظي به الرجل، والتخوين الذي تعرض له كل منتقديه ، وثقته المفرطة الممزوجة بالغرور واحتقار الصحافيين واستصغار المحللين، والإصرار على نفس الخيارات التي ثبت مع الوقت بأنها كانت خاطئة، دون نسيان اعتقاده أنه فوق رئيس الاتحادية و الوزير عندما كان صاحب الكلمة العليا ، قبل أن يفشل في قطع الطريق على وليد صادي الذي كان يرفض توليه رئاسة الفاف مثلما وقف في وجه عودة راوراوة من قبل، مستغلا شعبيته والدعم الرسمي والشعبي الذي كان يحظى به.
نفس الشعب الذي كان يقول عنه بلماضي ومحيطه، أنه يريد بقائه واستمراره بحكم العقد المعنوي الذي يربطه به ، طالب برحيله اليوم بعد الاخفاق الثالث على التوالي في التألق في الكاميرون وكوت ديفوار، وفشله في التأهل الى مونديال قطر، وبعد أن استهلك أربع رؤساء اتحادات دفعوا ثمن الدعم الرسمي والشعبي الذي كان يحظى به الرجل، لكنه لم يستثمر فيه لتصحيح ما يجب تصحيحه وإعطاء نفس جديد للخضر ، حتى صرنا نقول اليوم أنه تأخر في الرحيل الذي يبقى سنة الحياة في الكرة وفي كل الرياضات، وكل مجالات الحياة عند الاخفاق، وهذا لا يعني أن بلماضي مدرب فاشل بالمطلق، أو كان ناجحا دوما، بل نجح وفشل مثل غيره من المدربين، الا أن أكبر نجاح أو فشل حققه هو اعادتنا إلى ما قبل سنة 2019 .
العودة الى نقطة الصفر لا تلغي تماما ما قدمه بلماضي، وما تركه من إيجابيات نبقى نثمنها و نحتفظ بها، ويجدها المدرب القادم للخضر، سواء في أوساط المنتخب أو في الأوساط الجماهيرية التي ازدادت تعلقا ببلدها ومنتخبها، رغم الشرخ الذي حدث في الأوساط الإعلامية والجماهيرية بسبب الصدام الدائم الذي انعكس على المعنويات والمردود، وزاد من حجم الضغوطات على اللاعبين والمدرب والمسيرين ، وانعكس بالسلب على النتائج، فلم يجدوا من يدافع عنهم ويقف الى جانبهم في الظروف الصعبة التي يمرون بها اليوم نتيجة الغضب الجماهيري المتصاعد ، والذي يبقى بدوره عادي وطبيعي وضروري عندما لا يتعدى حدود الأدب والاحترام تجاه المدرب واللاعبين الذين يتفهمون حالة الغضب والتذمر.
بلماضي رحل، وبعض اللاعبين سيعلنون اعتزالهم، وأخرون لن يعول عليهم المدرب المقبل للخضر ، لتطوى صفحة قديمة وتفتح أخرى جديدة على مستوى المنتخب، لأن الحياة لا تتوقف بسبب الخروج من الدور الأول في كوت ديفوار، والقطار يجب أن يواصل السير حتى ولو نزل منه من لم يعد قادرا على مواصلة الرحلة نحو كأس أمم أفريقيا 2025 و كأس العالم 2026 وما بعدهما، من مواعيد وتحديات تقتضي من المدرب الجديد واللاعبين والمسيرين والاعلاميين والمحللين ، والجماهير الالتفاف مجددا خلف منتخبنا، الذي سيخسر ويفوز مجددا، ونفرح ونحزن مرة أخرى ، لكننا لن ننهزم ولن نستسلم للفشل واليأس والرداءة مهما كانت الظروف.
لا أحد يتمنى اليوم أن يكون في مكان جمال بلماضي، ولا في مكان وليد صادي المطالب بالبحث عن البديل بسرعة، ولا حتى اللاعبين القدامى الذين تعرضوا لانتقادات لاذعة، واللاعبين الشبان الذين لم يتعودوا على مثل هذه الضغوطات، في حين أن الكل يجب أن يستشعر ما يشعر به عشاق المنتخب وجماهيره التي ذاقت مرارة ثلاث اخفاقات كانت قاسية في ظرف سنة واحدة فصلت في مصير مدرب لا يمكن وصفه بالفاشل، لكن يمكن أن نقول عنه أنه فشل مثلما نجح في السابق ، وكان عليه أن يرحل انسجاما مع القاعدة التي تقول أن النتائج هي صديقة المدرب مهما كان اسمه و وزنه وانجازاته.
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 25 يناير 2024