في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة والقدس، والتواطؤ الغربي المفضوح، والعربي المتخاذل، أجد نفسي عاجزاً عن الكتابة في الرياضة والكرة بالخصوص، رغم استمرار النشاط الكروي وتوفر المادة الاعلامية المرتبطة بالحدث على غرار الحملة التي يتعرض لها كريم بنزيمة أو “الخرجة” المحتشمة لمحمد صلاح، أو حتى دقيقة الصمت التي أقرها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قبيل مبارياته ترحماً على ضحايا طوفان الأقصى من الجانب الإسرائيلي دون غيرهم من الفلسطينيين الذين استشهدوا بالآلاف وهدمت بيوتهم وهجروا قسرا أمام أنظار عالم يكيل بمكيالين، يجيز لاسرائيل ما أسموه بحق الدفاع عن النفس الذي تحول الى هجوم على الأبرياء، ويمنع على الفلسطينيين حقهم في استرجاع أراضيهم وبناء دولتهم.
وسط هذا التناقض الصارخ لا تزال قضية الدولي الفرنسي كريم بنزيمة تثير الجدل في الأوساط السياسية والاعلامية الفرنسية بين اليمين واليسار، وبين متفهم لموقفه الداعم للفلسطينيين والمتعاطف مع ضحاياهم، ومنتقد لتغريدته التي اعتبرها وزير الداخلية الفرنسي مؤيدة للإرهاب تقتضي سحب الجنسية الفرنسية منه بسبب ولائه لجماعة الإخوان المسلمين على حد تعبيره، وحسب تقدير نواب في البرلمان الفرنسي والأوروبي، والكثير من وسائل الإعلام الفرنسية التي انتهجت نفس الخط التحريري المتطرف والمنحاز في الحرب على غزة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين في بضعة أيام، وتنذر بوقوع كارثة انسانية كبيرة بسبب قطع الماء والكهرباء والغذاء على السكان ونقص الدواء والوقود في المستشفيات التي لم تسلم من القصف والتدمير.
“خرجة” محمد صلاح لا تزال بدورها تثير ردود الفعل في الأوساط الإعلامية والكروية العربية والاسلامية التي اعتبرتها محتشمة من نجم كبير يتابعه الملايين من العشاق، في وقت رحبت بها الصحف البريطانية التي نشرتها على نطاق واسع واعتبرتها معتدلة، لذلك لم تتهجم على الرجل ولم تنتقده، ولم يتعرض لمضايقات أو صافرات استهجان في مباريات ليفربول، وهو الأمر الذي أكد أن صلاح لم يكن بخرجته المتأخرة في مستوى تطلعات الجماهير العربية والفلسطينية التي تبقى في حاجة إلى كل أشكال الدعم والمساندة المادية والمعنوية من الحكومات ومشاهير الكرة بالخصوص لما لهم من شعبية في الأوساط الجماهيرية، وتأثير في صناعة الرأي الذي بدأ ينقلب في أمريكا وأوروبا بالخصوص لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية.
من جهته لايزال مصير الدولي الجزائري يوسف عطال لاعب نادي نيس الفرنسي معلقا بالتحقيقات الجارية معه منذ أعاد نشر تغريدة اعتبرتها الأوساط الفرنسية معادية للسامية، اعتذر عنها اللاعب، لكن إدارة النادي أوقفته عن اللعب مؤقتاً، في انتظار فسخ عقده ومنعه من التعاقد مع أي فريق في الدوري الفرنسي كعقاب له رغم حاجة الفريق الى خدماته، وهو الأمر الذي ينتظر أن يحدث في أي لحظة، خاصة وأن اللاعب جزائري ومسلم، يتعرض كغيره من المهاجرين في فرنسا إلى حملات تشهير وانتقاد باسم قيم الحرية والديموقراطية التي تتعاطف مع أوكرانيا في حربها ضد روسيا، و تتحامل على العرب والمسلمين وتتغاضى عن جرائم اسرائيل في فلسطين.
قد يقول البعض يجب عدم خلط السياسة بالرياضة، ولا يمكن تحميل نجوم الكرة وزر ما يحدث للفلسطينيين وتوريطهم في متاهات الدعم أو التنديد التي تبقى شأنا سياسيا يخص الحكومات والهيئات الدولية، لكن البعض الآخر يدعو الى تطبيق القاعدة على جميع الرياضيين، وكل وسائل الاعلام، وفي كل الحروب والظروف، وليس فقط عندما يتعلق الأمر بمصالح الغرب واسرائيل، كما أن الرياضيين والمؤثرين مدعوون للتفاعل مع معاناة الناس الذين يتابعونهم ويشجعونهم من باب الانسانية على الأقل.
حفيظ دراجي
القدس العربي 25 أكتوبر 2023