hafid derradji

الحياة ليست البارسا والريال ولا ميسي ورونالدو فقط!

تزايُد اهتمام الشباب العربي بمباريات البارسا والريال ونجوم الفريقين فاق كل التوقعات منذ سنوات، بل إنه طغى على كل الاهتمامات لدرجة لم يسبق لها مثيل في العالم، ولم تحدث حتى في أوساط الجماهير الإسبانية لبرشلونة والريال، لقد صار الأمر مزعجا، مقلقا وحتى مؤسفا لشباب يعبر عن ذاته من خلال نجم برشلونة ميسي، أوالنجم السابق للريال رونالدو قبل أن يرحل إلى اليوفي وترحل معه قلوب الملايين من العشاق الذين انتقلوا معه مناصرين ومغرمين به أكثر من عشق الايطاليين والبرتغاليين له، شأنه كشأن ميسي الذي يبقى بالنسبة للكثير من الأطفال والشباب العربي قدوة ومثالا للموهبة والمتعة والبراعة الفنية في مداعبة الكرة. شبابنا اختزلوا حياتهم وآمالهم، وكل اهتماماتهم في ناديين ولاعبين إثنين دون غيرهما، يجسدان كل طموحاتهم في مجتمعات كلها تناقضات!


شبابنا تحول إلى رهائن لقطبي الكرة العالمية أمام شاشات التلفزيون ومختلف شبكات التواصل بتناقلهم لصورهم وأخبارهم بشكل جنوني، وتجد الكثير منهم يتباهى بأرقام وانجازات هذا وذاك بكل جوارحه ومشاعره، على حساب اهتمامه بشؤونه اليومية وشؤون بلده وأمته التي يتم التلاعب بها أمام سمعه وبصره دون أدنى تفاعل معها، لكن عندما غادر رونالدو الريال في اتجاه اليوفي قامت القيامة، وعندما تعرض ميسي للإصابة أصيب عشاقه بخيبة أمل لا نظير لها. أما عندما يحرم الحكم البارسا أو الريال من ركلة جزاء أو هدف شرعي تنفجر وسائط التواصل الاجتماعي تفاعلا مع الحدث لأيام وربما أسابيع، في حين لا نسجل أي تفاعل مع رياضات أخرى، أو نشاطات فكرية وعلمية وثقافية، ولا حتى ترفيهية أخرى في مجال التلفزيون السينما والمسرح وغيرها من النشاطات الفنية التي تراجع تأثيرها ومتابعوها!


لقد تحول شبابنا إلى رهينة بين قطبي الكرة الاسبانية البارسا والريال وقطبي الكرة العالمية ميسي ورونالدو، وحتى أولئك الذين خرجوا عن القاعدة دخلوا معترك قطب آخر يمثله محمد صلاح ورياض محرز دون غيرهما من اللاعبين والرياضيين العرب، امتدادا لوقوعنا دائما رهائن لقطبية الفكر والمنهج في كل مجالات الحياة، على غرار أقطاب الدين السنية والشيعية، الشيوعية والرأسمالية، الديموقراطية والدكتاتورية وغيرها من الثنائيات التي سيطرت على العقول والنفوس، وتوارثتها الأجيال فكرا وممارسة من خلال منابر شبكات التواصل بطريقة متعصبة وعنيفة أحيانا ما أدى في الغالب إلى عنف مضاد، واحباط وتذمر إنعكسا بدورهما على المعنويات ومختلف المجالات.


صحيح أن ميسي ورونالدو أو حتى صلاح ومحرز، والبارسا والريال، يمنحون لعشاقهم متعة كروية، لكنهم لا يمثلون لوحدهم أقطاب المتعة لأن السيتي وليفربول وتشلسي واليوفي والانتر والبايرن والبياسجي، وغيرهم من الأندية الأوروبية يرمزون بدورهم لمتعة الكرة الحديثة مثلما الحال لمودريتش وغريزمان ونيمار ومبابي وهاري كاين وغيرهم من اللاعبين الذين يبدعون في مختلف الملاعب والأندية التي تنتج لاعبين شبابا يبدعون ويتألقون بدورهم. هؤلاء وأولئك ليسوا لوحدهم متعة الكرة، وكرة القدم ليست هي مصدر المتعة الوحيدة، ولا يمكن أن نختزل حياتنا فيها لدرجة تنسينا همومنا وتغنينا عن مواجهة كل التحديات التي تواجهنا سياسيا واجتماعيا وفكريا وثقافيا وفنيا، وحتى أخلاقيا خاصة بعدما تراجعت القيم بالتزامن مع تنامي الرذيلة ومختلف الآفات التي تنخر مجتمعاتنا، في وقت تراجع فيه دور الأسرة والمدرسة والمسجد في التربية والتوعية والتثقيف ومرافقة أولادنا.


صحيح أن كرة القدم الحديثة لم تعد مجرد لعبة في نظر المهتمين والمختصين لكن لا يمكن أن تكون كل حياتنا، نحيا ونموت لأجلها، ونفرح ونحزن بسببها كل يوم وفي كل الأوقات، في وقت يستمتع بها غيرنا في عطلة نهاية الأسبوع، أو في المناسبات الكبرى، حتى رونالدو الذي يعتقد الكثير بأنه يعيش فقط لأجل كرة القدم التي يرمز لجزء من متعتها شخصيا، فقد عرف بتصريحه الشهير منذ سنتين بمناسبة تدشينه لسلسلة فنادق كريستيانو في البرتغال عندما قال بأن «الحياة ليست كرة القدم فقط وكل واحد يجب أن يفكر في مستقبله»! لذلك وجب التفكير في مستقبل الأجيال الصاعدة بالموازاة مع ما يجب منهم أياه من وسائل ترفيه وتسلية، وتثقيف وتوعية وتربية.


الكلام ينطبق على كل فرد ممارس للعبة أو متابع وعاشق ومستمتع قد يعرض حياته للوفاة والجلطات والانتحار والعنف بكل أشكاله حسب دراسات خلص اليها خبراء الصحة وعلم النفس والاجتماع بسبب الضغط والتعصب لأندية ولاعبين أجانب لا يمثلون شيئا للشباب العربي الذي تعاني غالبيته من فراغ وضياع نفسي وروحي وفكري نتيجة تراكمات عديدة ذاتية وموضوعية.
ميسي ورونالدو والبارسا والريال جزء من متعة كرة القدم، لكنهم قطعا ليسوا كل المتعة في هذه الحياة، وكرة القدم هي وسيلة ترفيه تمنح فرجة ومتعة أيضا، لكنها ليست هي الحياة كلها حتى نحيا ونموت من أجلها، فلننظر إلى كرة القدم وما يحيط بها بعين واحدة، وبالعين الأخرى لا نريد أن نغفل الإبصار عن متعة الحياة على تعددها وتنوعها.

حفيظ دراجي 

القدس العربي 13-11-2018

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

تابعوني على شبكات التواصل