hafid derradji

أين الرياضات الأخرى من الكرة؟

أين الرياضات الأخرى من الكرة؟

Jan 11, 2018

 

لا أحد يشكك في قدرات رياضيينا ونوادينا ومنتخباتنا في التألق فرديا وجماعيا في مجال كرة القدم، وآخرها تتويج محمد صلاح وقبله رياض محرز بلقب أفضل لاعب في افريقيا، وتتويج منتخب مصر بلقب أفضل منتخب في القارة السمراء لسنة 2017 وتأهل أربعة منتخبات عربية الى نهائيات كأس العالم لأول مرة في التاريخ على حساب منتخبات إفريقية وآسيوية قوية، ما يدل على توافر مواهب ومهارات كروية كبيرة في عالمنا العربي، قادرة على صناعة الحدث كلما وفرت لها أدنى الشروط فقط.
الأمر المحير والمثير للتساؤلات هو غياب الاستقرار والاستمرارية في تحقيق النتائج وعدم قدرتنا على الاستثمار فيها مثلما حدث للمنتخب الجزائري لكرة القدم، والمحير أكثر هو ضعف النتائج في رياضات أخرى فردية وجماعية رغم المواهب الكبيرة التي أطلت برأسها، ورغم الإمكانيات المادية للكثير من البلدان العربية!

الرياضات الفردية والجماعية تشهد تراجعا في الممارسة وفي النتائج وفي الغالب هي خارجة عن دائرة اهتمام السلطات العمومية والهيئات الرياضية، ما تسبب في ضياع الكثير من المواهب التي كنا نزخر بها في الملاكمة والسباحة وألعاب القوى والجودو والكاراتيه وكرة اليد والسلة والطائرة! حتى الرياضة المدرسية والممارسة الجماهيرية للرياضة كوسيلة تسلية ووسيلة للحفاظ على الصحة العمومية، تشهد تراجعا كبيرا نتج عن انعدام الوعي بأهمية الرياضة وقلة المرافق الرياضية التي تسمح للشباب بممارسة هواياتهم والترفيه عن أنفسهم.

أما عن ممارسة المرأة للرياضية فقد صارت في مجتمعاتنا حلما بعيد المنال، فقد تجد تلميذة في الابتدائي لم يسبق لها وأن حضرت حصة تدريبية واحدة في المدرسة ولم يسبق لها الانتماء الى أي ناد أو جمعية لممارسة هوايتها والحفاظ على صحتها! في المجتمعات السوية تولي السلطات العمومية أهمية كبرى للرياضة المدرسية وتخصص حيزا هاما للممارسة الجماهيرية للرياضة، وتقر قوانين وتشريعات تشجع فيها شعوبها، وبالأخص مواهبها، على تفجير طاقاتها، وتهيئ من أجل ذلك المرافق في الشوارع والحدائق العمومية ولا تغفل عن ذلك في المدارس والجامعات والنوادي والجمعيات، بينما نكتفي نحن باستغلال النتائج الظرفية لمنتخبات الكرة من أجل إلهاء وتخدير الجماهير والتحايل على الشعوب لتمرير المشاريع السياسية والاجتماعية التي تهدف الى ديمومة الحكام والأنظمة.

هل يعود الوضع البائس لأسباب تقنية وفنية بحتة، أم يعود لأسباب نفسية واجتماعية أو حتى مادية في بلدان تزخر بثروات طبيعية وموارد بشرية لا مثيل لها؟ أم أن الأمر يعود الى منظوماتنا الرياضية الرديئة والصحية المتخلفة أم لغياب الرؤية والاستراتيجية في بناء الفرد والمجتمع؟ هل يعود ذلك الى متاعبنا السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، أم الى غياب الوعي بأهمية الرياضة في حياة الشعوب؟ هل يجب علينا الاستسلام من منطلق أن حال الرياضة هو امتداد وانعكاس طبيعي لأحوالنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟
هناك من يعتقد بان اهتمامنا المفرط بكرة القدم ساهم في تراجع حجم الممارسة في باقي الرياضات! وهناك أيضا من يعتقد بغياب التحفيز والتشجيع والمرافق والامكانيات التي تسمح بتطوير الرياضة المدرسية والجامعية والجماهيرية في النوادي والجمعيات، وفي الشوارع والساحات العمومية، بينما ذهب آخرون إلى القول إن الاعلام الرياضي يتحمل القسط الكبير من مسؤولية التراجع بسبب اهتمامه المفرط بالكرة على حساب الرياضات الأخرى، وتخليه عن مهامه في تشجيع الممارسة الرياضية واكتشاف المواهب وابتعاده عن المهنية وتوجهه نحو تشجيع التهريج والتهييج والتعصب لنوادي كرة القدم.

أكبر مثال على هذا الوضع ما حدث لكرة القدم الجزائرية، وما يحدث للرياضة الجزائرية عموما، رغم أن الكل يجمع أن المنتخب الجزائري لا يزال يملك مهارات هي الأفضل قاريا وإقليميا في الوقت الحالي، ويملك مواهب عديدة في كل الرياضات الجماعية والرياضات الفردية، لكن نتائجها تراجعت بشكل رهيب في بلد يملك من المقومات والقدرات ما لا نجده في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا من حيث الموهبة والمهارة وحتى الموارد المادية والاطارات الفنية والتقنية.

الوضع التعيس دفع بالكثير من الإطارات الجزائرية الكفؤة للهجرة خارج الجزائر، حيث تتوفر الإمكانيات المادية والشروط التنظيمية اللازمة لإثبات الذات وصناعة الأبطال وتحقيق الإنجازات، ودفع بالكثير من المواهب الرياضية الى اليأس وفقدان الأمل في مستقبل واعد في بلدهم، الذي لا يزال يتخبط في صراعات هامشية بين الوزير ورئيس اللجنة الأولمبية، وبين الوزير وبعض رؤساء الاتحادات، وساهم بعض وسائل الاعلام في تغذية هذا الصراع عوض ممارسة مهامه في الاعلام والتوعية وتشجيع الكفاءات.

في الجزائر كان المنتخب الأول مثالا يقتدى به في مجال التسيير ومن حيث النتائج بعد مشاركتين متتاليتين في المونديال، ليصبح في ظرف وجيز عنوانا للفشل والتراجع رغم مهارات لاعبيه الذين ينشطون في أفضل النوادي الأوربية. وفي الجزائر كانت الرياضات الأخرى تعج بالمواهب لدى الذكور والاناث، ومصدرا للإنجازات والأفراح بفضل نتائج أبطالها الأولمبيين والعالميين، لكنها تراجعت منذ بداية الألفية لدرجة لم يتوقعها أحد، رغم توفر كل الموارد والطاقات والامكانيات التي تجعل من الجزائر قطبا رياضيا عالميا.

نشر في صحيفة القدس العربي بتاريخ 11-01-2018

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل