كما كان متوقعا؛ تم تعديل الدستور الفوقي وليس التوافقي في ظروف استثنائية من طرف برلمان فاقد للشرعية، وباقتراح من رئيس عاجز مصر على إنهاء مهمة تحطيم الجزائر بعدما حطم معنوياتنا وقتل في أبنائنا كل أمل في التغيير، وبعدما نفذ كل مخططاته الانتقامية من الرجال والمؤسسات ومن شعب كان ولا يزال يعتبره الرئيس قاصرا غير واع؛ لذلك لم يحترمه ولم يستشره في تعديل الدستور رغم التغييرات العميقة التي تمس بالتوازنات الكبرى للأمة!
رؤساء وملوك وأمراء في كثير من بلدان العالم يفكرون ويخططون لتأدية مهامهم على أكمل وجه وبناء بلدانهم وخدمة شعوبهم، لكن بوتفليقة بنرجسيته يفكر فقط كيف يبقى رئيسا مدى الحياة ويستولي على كل السلطات، ويفكر كيف يمهد الطريق لشقيقه لخلافته، ويخطط لإزاحة وإهانة كل معارضيه، وإخضاع كل المؤسسات لإرادته ورغباته، ومن ثم تنفيذ مشروعه الانتقامي من الشعب والدولة التي منحت له شرف قيادة الجزائر!
تعديل الدستور هو تحايل جديد وفصل من فصول أجندة خطط لها الرئيس منذ مجيئه إلى الحكم مثلما خطط لتفكيك المؤسسة العسكرية في فال دوغراس وحل جهاز المخابرات في سابقة فريدة من نوعها تنذر بمخاطر كبيرة على الدولة والأمة، علما أن كل الدول الكبرى معروفة بقوة مخابراتها وقدرتها على حماية الدولة والشعب، لكن بوتفليقة عمل على إزاحة وإهانة رجاله وتقوية نفوذه فقط حتى ولو اقتضى الأمر إضعاف وتكسير كل المؤسسات!
بوتفليقة خطط ونفذ مشروع تقزيم الأحزاب والجمعيات والنقابات والكفاءات، ونجح في ذلك بتواطؤ من الانتهازيين والفاشلين الذي استعملهم لمحاربة الرجال والنساء المحترمين، واستعمل الأثرياء الجدد من رجال الأعمال لخلق سلطة جديدة تتحكم في السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وتتحكم في مصير الأمة وتستفز الشعب بتصريحاتها وممارساتها.
بوتفليقة انشغل ببسط نفوذه وسلطانه لكنه لم يبنِ الدولة ولا الاقتصاد، ولم يحافظ على توازن وانسجام المجتمع رغم الموارد المالية التي توفرت لديه، لنكتشف بعد انخفاض أسعار النفط بأن الجزائر دولة فقيرة وهشة ومتخلفة في كل المجالات، ومعرضة لكل أشكال المخاطر لأننا لم نستثمر في القطاعات الاستراتيجية ولم ننتج الثروة، واكتفينا بشراء ذمم الجزائريين بالمساكن الاجتماعية ومشاريع لاونساج!
بوتفليقة الذي لا يقرأ الصحف الوطنية ولا يشاهد القنوات التلفزيونية الجزائرية وكان دائما يصف الصحافيين “بطيابات الحمام” لم يقنن ممارسة مهنة الصحافة، وترك القنوات التلفزيونية في فوضى عارمة من دون إطار قانوني، وأقال رئيس سلطة الضبط قبل أن يعين أعضاءه ويباشر مهامه، وساوم الصحافة المكتوبة وحاربها، وقام بإضعافها باستعمال سلاح الإشهار ضدها.
بوتفليقة جعل من القضاء وسيلة لتصفية حساباته وتهديد خصومه وحماية محيطه مثلما حدث في محاكمة سوناطراك 1 التي كانت مسرحية انتهت من دون حضور “البطل الرئيسي” شكيب خليل، وانتهت ببراءة المتهمين الآخرين مثلما انتهت محاكمات الخليفة والطريق السيار من دون المساس برجال الرئيس.
الجزائريون سيكتشفون لاحقا بأن بوتفليقة استقوى بالرديئين والفاسدين في الداخل لإخضاع الشعب، واستقوى بالقوى الأجنبية على الرجال والمؤسسات من خلال تهديدهم وتخويفهم بمحاكمتهم وسجنهم مقابل تنازلات اقتصادية وسياسية لفرنسا وأمريكا والشركات العالمية الكبرى التي استفادت من مشاريع لم تكن تحلم بها!
بعد تعديل الدستور سيأتي التعديل الحكومي وتغيير الوزراء بوجوه أخرى مستفزة يتحكم فيه السعيد بوتفليقة وبوشوارب وسعداني وعلي حداد، وسيستمر تفكيك باقي المؤسسات أمام أنظار وأسماع كثير من المتواطئين الملطخة أيديهم بالمال الفاسد الذين تورطوا في قضايا فساد ولم يعد بمقدورهم معارضة مشاريع الرئيس خوفا من إقالتهم وتوريطهم ومحاكمتهم في زمن ازداد فيه الابتزاز وتفشت وازدهرت فيه الرداءة أكثر من كل المجالات الأخرى.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 8 فبراير 2016