بغض النظر عن ظروف العائلة الجزائرية بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه والتي تعيش الأفراح والأحزان كغيرها من عائلات المجتمعات الأخرى؛ فإن كثيراً من الأسر الجزائرية بالمفهوم السياسي والتاريخي والمهني والاجتماعي تعاني من أمراض مزمنة انعكست على معنويات الناس ومردوديتهم في كل المجالات، وانعكست سلبا أيضا على القيم والعادات والأخلاق، وعلى ارتقاء المجتمع إلى مستوى أفضل مما هو عليه اليوم!
الأسرة السياسية في الجزائر هي أكثر الأسر انشقاقا ومرضا حتى لا أقول اختلافا لأن الاختلاف في الرأي والتوجه ضروري في أي مجتمع سوي، لكن للأسف فإن الاحتقان بلغ درجة لا تطاق والرداءة تفشت على كل مستويات الممارسة السياسية بسبب نزول مستوى النقاش إلى أدنى مستوياته وتغول أصحاب المال على حساب القيم والمبادئ والأخلاق!
الأسرة الثورية والتاريخية بدورها لم تسلم من مظاهر الانشقاق منذ ثورة التحرير إلى فجر الاستقلال، إلى مرحلة البناء، لدرجة لم نتوصل إلى كتابة تاريخ الثورة وإعطاء الرجال حقهم، ولم تتحرر من كل التراكمات والاختلافات التي ميزت مختلف المراحل بسبب محاولات بعضهم اختزال الشرعية في أنفسهم دون غيرهم رغم إدراكنا بأن الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع مهم كانت تلك الاختلافات.
الانسجام يغيب أيضا بين أطياف الأسرة الثقافية والفنية والفكرية، وفي أوساط النخبة التي لم تستقر بدورها على مشروع معين ولم تقدر على صناعة الرأي، ولا على التفرغ للإبداع وتقديم طبق ثقافي وفني يلبي كل الحاجيات بعيدا عن مختلف الحساسيات التي لا تزال تمثل حاجزا كبيرا أمام المبدعين في مجالات السينما والمسرح والغناء والكتابة وكل الفنون والعلوم التي كان من المفروض أن تكون قاطرة التغيير في الجزائر!
المؤسسات والتنظيمات والنقابات التي تهتم بالشأن الاقتصادي والاجتماعي لم تساير بدورها التحولات التي شهدتها الجزائر، ولم تتأقلم مع التغييرات التي يعرفها العالم بسبب أنانية بعض الأطراف، والإقصاء الذي يمارسه بعضهم الآخر من الذين لا يتحملون التعددية الفكرية والسياسية، والذين لم يقدروا على تنشيط الحياة العامة وتطوير الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل!
أما في أوساط الأسرة الإعلامية بكل أنواعها فإن المرض بلغ درجة كبيرة بسبب طغيان الجانب السياسي والمادي على الممارسة الإعلامية، وعدم احترام أخلاقيات المهنة، وتردي الممارسة الإعلامية، وكذا بسبب الفوضى التي يعيشها مجال السمعي بصري الذي شهد ولادة عسيرة يصعب تقويم اعوجاجها.
الأسرة الرياضية لم تشذ عن القاعدة وبقيت عرضة لكل أشكال الحقد والكراهية وتصفية الحسابات رغم الإمكانات والإنجازات التي كان في إمكانها أن تجمع عوض أن تفرق، وكان في إمكانها أن تساهم في تنشئة الأجيال على المعاني السامية للرياضة عوض تنشئتهم على البحث عن الربح المادي، واستعمال طرق غير شرعية لبلوغ درجات عالية من الامتياز.
كل هذه الأمراض في كل الأوساط صارت مزمنة بسبب تراجع القيم والأخلاق وطغيان الجانب المادي على كل الممارسات في غياب استراتيجيات ملائمة وغياب مشروع مجتمع واضح يجمع كل الأطياف بغض النظر عن كل الاختلافات خاصة وأن الجزائر تتوفر على قدرات بشرية وطبيعية ومادية كبيرة، ورصيد تاريخي وحضاري وفكري يسمح للشعب الجزائري بتجاوز كل المحن وبلوغ درجة من التطور كتلك التي بلغتها مجتمعات أخرى لا تملك ربع قدرات الجزائر، ولا تتوفر على كل هذا التنوع والثراء الذي نزخر به!
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 3 يناير 2016