إجماع الجزائريين على أن حسين آيت أحمد كان رجلا عظيما وقائدا كبيرا ومعارضا وفيا لمبادئه ولرفقائه الشهداء والمجاهدين هو اعتراف صريح من طرف الأمة بكل أطيافها بأن معارضة النظام في الجزائر ليست خيانة وليست كفرا كما تعتبره السلطة ومن يدور في فلكها، بل هي واجب على كل الأوفياء لتضحيات الرجال الذين ضحوا من أجل أن تكون الجزائر أفضل مما هي عليه اليوم.
كل الشهادات التي قرأناها وسمعناها في حق المجاهد والمناضل حسين آيت أحمد بعد رحيله من طرف الساسة والإعلاميين والمواطنين أجمعت على خصال كان يتمتع بها، وأعادت الاعتبار لرجل ليس ككل الرجال كان من قادة الثورة أثناء الاستعمار، وصار من أوائل المناضلين من أجل الحرية والديموقراطية منذ فجر الاستقلال، وبقي وفيا لمبادئه رغم كل محاولات تخوينه والتشكيك في وطنيته وإخلاصه ووفائه لرفقائه الشهداء والمجاهدين.
الغريب في الأمر أن كثيرين ممن راحوا اليوم يشيدون بخصال الرجل ووطنيته بعد رحيله كانوا على مدى عقود من الزمن يخونونه ويتهمونه بالجهوية ويعملون على تشويه صورته في نظر الأجيال الصاعدة لأنه كان وفيا لمبادئ نوفمبر، ولم يسكت عن كل الإساءات التي تعرض لها الوطن والشعب عبر التاريخ، ولم يرضَ للجزائريين بديلا عن الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وكان يحلم ببناء جزائر للجميع وليس لفئة دون أخرى!
من اختطفوا الدولة اليوم واختزلوا صفة البطولة والشهامة في أنفسهم دون غيرهم يجب أن يعلموا بأن آيت أحمد أحد قادة الثورة وزعمائها لا يمكن أن يكون خائنا لمجرد أنه عارض ممارسات بن بلة وبومدين والشاذلي وبوتفليقة، ولمجرد أنه لم يقبل الانقلاب على مبادئ نوفمبر ومصادرة الثورة والإرادة الشعبية وخنق الحريات وحقوق المواطنين في العيش الكريم!
يجب أن يعلموا أيضا بأن آيت أحمد المجاهد والمناضل من أجل الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، والوفي لرفقائه ولمبادئ نوفمبر التي لم يتراجع عنها لا يمكن أن يكون خائنا للوطن لذلك فضل عدم الانخراط في منظومة الحكم منذ الاستقلال، وفضل المنفى الاختياري على التواطؤ والمساهمة في الإساءة للوطن من الداخل!
يجب أن يعلم من احتكروا الوطنية لأنفسهم واختزلوا الوطن في شخص رجل واحد، واستولوا على السلطة بداعي الشرعية الثورية والتاريخية بأن الذي رفض عرض السلطة لرئاسة مجلس الدولة بعد استقالة الشاذلي لا يمكن أن يكون خائنا ومتعطشا للسلطة مثلما كانوا يصورونه، ولا يمكن سوى أن يكون رجلا ديموقراطيا يحترم الشرعية والإرادة الشعبية.
يجب أن يعلم من يدعون اليوم تمسكهم بالوحدة الوطنية بأن الذي فضل الدفاع عن الوطن قبل الهوية الأمازيغية لا يمكن أن نشكك في وطنيته أو نتهمه بالخيانة والجهوية مثلما فعلوا مع الرجل، ومثلما كانوا يصورونه للرأي العام منذ الاستقلال حتى ساد الاعتقاد بأن آيت أحمد رجل جهوي متعصب ومتعطش للسلطة!
من ينادون بالدولة المدنية اليوم يجب أن يعلموا بأن الرجل كان دائما ضد الدولة البوليسية وضد الدولة الأصولية، وكان سباقا للدعوة إلى إقامة دولة ديموقراطية تقوم على العدالة والحرية واحترام الإرادة الشعبية، وكان دائما يدعو إلى عدم تدخل الجيش في الحياة السياسية عندما كان هؤلاء ينادون المؤسسة العسكرية للتدخل!
عندما كان الرجل على قيد الحياة وفي كل المناسبات كان النظام يطلق كلابه تنهش في الرجل وتسيء إليه وتتهمه بالخيانة والجهوية والعمالة للخارج، وهي التهم نفسها التي تطلق اليوم على كل من يتجرأ على انتقاد منظومة الفساد القائمة التي صار فيها الفاسد مصلحا، والخائن صادقا، والفاشل ناجحا، والمحب لوطنه عميلا، والعميل محبا لوطنه، وصار فيها عمار سعداني وبهاء طليبة وعمار غول أبطالا، يتحدثون باسم الوطن ويتهكمون على الرجال والنساء النزهاء والشرفاء!
المجاهد حسين آيت أحمد ليس في حاجة إلى رد الاعتبار مثلما قال سعداني؛ لأن مساره ومواقفه والتزامه أنصفه من زمان، والتاريخ سيسجل بأن الرجل لم يكن خائنا لوطنه، لكن التاريخ نفسه سيسجل بأن الخونة في نظر الشعب هم أولئك الذين خانوا عهد الشهداء ورسالة نوفمبر، وخانوا ثقة الشعب وصادروا إرادته ونهبوا أمواله وفشلوا في إدارة شؤونه، وهم أولئك الذين اختطفوا الدولة واحتجزوا الرئيس وأهانوا الشعب، وتستروا على الفاسدين والفاشلين والرديئين.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 28 ديسمبر 2015