للأسف الشديد تاريخ الجزائر حافل بالانقلابات والتصحيحيات منذ فجر الاستقلال إلى اليوم وعلى كل المستويات من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الأحزاب والمنظمات وحتى جمعيات المجتمع المدني حتى صار الأمر تقليدا وثقافة يومية سائدة يمارسها الانتهازيون لحماية مصالحهم دون أدنى اهتمام لمصلحة الوطن، وللقوانين وقواعد الديموقراطية، ودون أدنى التزام بالأخلاق والمبادئ.
أشهر وأكبر الانقلابات بدأت أثناء ثورة التحرير عندما انقلبت جماعة وجدة على بن يوسف بن خدة أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة، واستمر الحال فجر الاستقلال بالانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة، ثم الانقلاب على الشاذلي بن جديد، وبعده بوضياف الذي تم اغتياله غدرا، ثم اليامين زروال الذي فر بجلده بسبب ضغوطات مورست عليه وعلى محيطه.
الانقلابات لم تقتصر على الرؤساء بل ازدادت وتيرتها وصارت تقليدا منذ مجيء بوتفليقة إلى الحكم، وصار يمارسها الرئيس ومحيطه في مختلف المواقع ضد كل من يختلف معهم مثلما حدث لرئيس مجلس الأمة بشير بومعزة ورئيس المجلس الشعب الوطني كريم يونس، ومثلما حدث لرؤساء الحكومات أحمد بن بيتور علي بن فليس وأحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم، وكثير من الرجال الذين لم يسجدوا ولم يركعوا للرئيس!
الأحزاب والمنظمات والجمعيات لم تسلم بدورها من الانقلابات والتصحيحيات خاصة بمناسبة الاستحقاقات الرئاسية حيث تم الانقلاب على كثير من الرؤساء والأمناء العامين بمناسبة رئاسيات 2004 و 2009، وصارت بعدها كل جمعيات المجتمع المدني مجرد هياكل من دون روح يقودها جيش من المنتفعين والانتهازيين والفاشلين الذين تخلوا عن دورهم التوعوي والتثقيفي والنضالي، وراحوا يمارسون سياسة الكذب والتخوين والإقصاء وخدمة الملك.
جماعة الرئيس كانت دائما تسوق للرأي العام بأن المعارضين الموجودين في الساحة اليوم هم الذين انقلبوا على الرئيس، لكن الحقيقة أن بوتفليقة هو الذي انقلب على كل الرجال الذين نصبوه رئيسا وساندوه طيلة فترة حكمه من أحمد بن بيتور إلى بن فليس إلى لعربي بلخير وخليدة تومي وعمارة بن يونس وأبوجرة سلطاني ويزيد زرهوني والجنرال التوفيق وغيرهم كثير.
بغض النظر عن تقييمنا لهؤلاء وأولئك فإن الغريب في الأمر أن محيط الرئيس من الرديئين والفاسدين لم يكتفِ بالإطاحة بكل من يشمون فيه رائحة الرجولة، بل راحوا يتهكمون على الرجال والنساء الذين عارضوا مشروعهم الإقصائي بعدما كانوا لا يجرؤون على رفع أعينهم وأصواتهم في حضرة هؤلاء وأولئك الذين ذهبوا ضحية انقلاب الرئيس عليهم أو مؤامرة من شقيقه ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، أو راحوا ضحية وشاية كاذبة حطمت كفاءات ومؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، وزرعت ثقافة الانتقام والحقد والكراهية في النفوس.
الجماعة التي اختطفت الدولة وتقوم اليوم باحتجاز الرئيس ورهن مستقبل الوطن لن تتردد في الانقلاب على بوتفليقة قريبا بطريقة أو بأخرى بعدما تتفق على خليفته الذي يسمح لهم بالحفاظ على مواقعهم وحماية مكاسبهم، وقطع الطريق أمام كل تغيير يهدد مستقبلهم، إدراكا منهم بأن استمرارهم يمر حتما عبر استباق الاحداث وتحضير فترة ما بعد بوتفليقة باستعمال التزوير والتهديد والتخويف والتخوين.
المنتفعون والانتهازيون والرديئون الذين صنعهم بوتفليقة وبوؤهم مسؤوليات، وكل الذين استفادوا من الريع وتواطؤوا ضد مصالح الشعب، وأصروا على استمراره رئيسا رغم حالته الصحية سينقلبون عليه وينتقدونه ويتنكرون لأفضاله، وسيقولون عنه إنه كان دكتاتوريا ونرجسيا، وناكرا لجميل الرجال، ويقولون إن فترة حكمه شهدت أكبر فضائح الفساد والنهب، وفي عهده ازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا رغم انتهاجه سياسة توزيع الريع وشراء ذمم الجزائريين.
سيقولون عنه إنه دمر الدولة وكسر المؤسسات واختزل الجزائر في شخصه دون غيره، وفوض أمر تسيير البلد لشقيقه ويقولون إنه ارتكز طيلة فترة حكمه على منظومة فاسدة وفاشلة في كل القطاعات، أنفقت أموال كبيرة، وأفسدت قطاعات أخرى كثيرة.
عندما ينقلب هؤلاء على بوتفليقة، وقتها فقط سندافع عنه ونذكره بخير أو نصمت، لا لأننا نغير مواقفنا أو لأن بوتفليقة كان أحسن رئيس في تاريخ الجزائر، وإنما انتماؤنا إلى جيل تربى على المبادئ والأخلاق، وعلى احترام رجال الوطن ومؤسسات الدولة، يجعلنا نقول كلمة الحق في حينها بكل شجاعة وصراحة، دون المساس بكرامة الرجال وسمعة الوطن مثلما يفعلون.
سنقول عنه إنه ذهب ضحية نفاقكم وجبنكم لأن لا أحد منكم تجرأ وانتقده أو عارضه في قراراته الخاطئة وسياساته الفاشلة وقتها، سنقول عنكم بأنكم أنتم من نفخ فيه وجعلتموه رجلا فوق العادة وفوق الظنون، وأنتم من اختزل الجزائر في شخصه عندما نسبتم إليه كل الإنجازات التي تحققت دون غيره من أبناء الشعب.
سنقول عنكم إنكم لم تكونوا يوميا من الأوفياء للرجل، بل كنتم أوفياء لمصالحكم، وكنتم من المفسدين والمنتفعين الذين استفادوا من منظومة رديئة وفاسدة كنتم دعائمها منذ بداية الألفية، وأن انقلابكم عليه وذكركم مساوئه وقتها لا يخدم مصلحة الجزائر في شيء.
طبعا هذا الكلام لن نوجهه لأصحاب النيات الصادقة من المخلصين من أبناء هذا الشعب الذين أخلصوا للرئيس من أجل خدمة الوطن عن قناعة واقتناع، ولن نوجهه لكل من كان يعتقد بأن بوتفليقة هو رجل المرحلة، بل نوجهه لمن سينقلبون على بوتفليقة خوفا وطمعا.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 21 ديسمبر 2015