hafid derradji

ماذا لو يعود الشهداء؟

كلما عادت ذكرى ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة يعود معها اعتزازنا وافتخارنا بالانتماء لهذا الوطن الذي أنجبرجالا ونساء قهروا أقوى الجيوش، وانتصروا على الظلم والعدوان،  وصنعوا واحدة من أعظم ثورات القرن العشرين، لكن بقدر اعتزازنا وافتخارنا ببطولات هؤلاء وأولئك فإن الشعور بالخجل والحسرة صار ينتابنا كل مرة لأننا لم نكن في مستوى التضحيات، وأحوالنا ليست في مستوى تطلعات شعبنا وطموحات الأجيال الصاعدة على الرغم من كل القدرات والإمكانات التي يتوفر عليها بلدنا!

صرنا نخجل من أنفسنا وممارساتنا، ونخاف لو أن الشهداء عادوا يوماً وسألونا عن الأمانة التي تركوها لنا! وسألونا عن تضحياتهم! وماذا فعلنا بجبهة التحرير وبالشعب وأرامل الشهداء وأبنائهم؟ وماذا فعلنا بالاستقلال الذي كافحوا من أجله؟ وهل فعلا نحن أحرار ونعيش في كنف المساواة والعدل والحق وسيادة القانون، وكل المبادئ التي جاءت في بيان نوفمبر 54؟

الحقيقة أن الفاتح نوفمبر صار مع مرور السنوات مجرد عطلة مدفوعة الأجر، ورقمًا من أرقام أيام السنة يستغلها بعض الانتهازيين لتحريف التاريخ وطمس الحقائق، وتكريس ثقافة النسيان والنكران لكل التضحيات التي تم اختزالها في بضعة اشخاص دون غيرهم، وتم حصرها في بضع مناطق دون غيرها من مناطق الوطن لدرجة ساد فيها الإحساس بأن ثورتنا لم تكن شعبية وليست ملكًا لكل الجزائريين!

حتى كتب التاريخ والكتب المدرسية وبعض وسائل الإعلام راحت تؤرخ لتزوير الحقائق والمغالطات، وتختزل البطولات والتضحيات في أطراف لم تشارك في الثورة، وأطراف أخرى لم تكن رقما فاعلا في ثورة التحرير وتاريخ الجزائر، وراحت تتعمد عدم ذكر الشهداء والأبطال خوفا منهم وهم أموات، وسعيا لصناعة أبطال من ورق ممن يتبوؤون المناصب ويستحوذون على الثروات، وربما من أبناء الحركى الذين فتحنا لهم ذراعينا التي أغلقت في وجه أبناء الشهداء وأبناء المجاهدين، وكثير من أبناء الوطن المخلصين!

شهداء الجزائر سيحزنون ويتألمون ويتحسرون كثيرا لو عادوا وسألوا عن علاقتنا بمستعمر الأمس وأرشيف الثورة وتاريخ الثورة، وسيحزنون كثيرا عندما يعلمون بأننا لم نكتب التاريخ، ولم نسترجع كل الأرشيف، ولم نتخلص من التبعية لفرنسا، ويحزنون أكثر عندما يعرفون بأن غالبية المسؤولين والإطارات يملكون الجنسية الفرنسية أو شهادة الإقامة في فرنسا، وأموالهم في فرنسا، وأبناؤهم يدرسون في فرنسا، وبأن استثمارات فرنسا في الجزائر تتزايد من يوم إلى آخر!

لو أن الشهداء عادوا لإلقاء نظرة على جزائر اليوم سيجدون الوطن في أسوأ أحواله والشعب مغلوب على أمره، ويجدون سيادتنا منقوصة وثرواتنا منهوبة، وسيجدون جيلا يعرف عن لاعبي الخضر والبارسا والريال أكثر مما يعرفون عن بن مهيدي وعميروش وسي الحواس وديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي ومليكة قايد، وكل المعارك التي خاضها الأبطال في عهد الاحتلال.

الشهداء سيتحسرون عندما يكتشفون العبث الذي تعرضت له مؤسسة الجيش منذ الاستقلال، ويتألمون عندما يعلمون بأن عهد الشرعية التاريخية والثورية مازال قائما يحكم في بلد غالبيته شباب فقد الأمل وصارت غايته مغادرة الوطن بحثا عن فرص لتحقيق ذاته وإثبات قدراته بعد كل الذي تعرض له من إقصاء وظلم وتحايل منذ الاستقلال إلى اليوم!

ذكرى ثورة نوفمبر المجيدة لم تعد عيدا كما كانت زمان، ولم تعد مناسبة نستحضر فيها التضحيات، ونصحح فيها الاختلالات، بل صارت موعدا نتحسر فيه على أحوالنا وعلى الأجيال الصاعدة التي تشعر بالغبن واليأس والتذمر على الرغم من أنها من سلالة رجال لم يفكروا في المناصب والمكاسب، ووهبوا حياتهم من أجل أن نعيش نحن في كنف استقلال من دون حرية وبسيادة منقوصة!

حفيظ دراجي

نشر في يومية الشروق بتاريخ  الفاتح نوفمبر 2015

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل