فجأة تفطنت الجماعة إلى ضرورة التوقف عن الكذب وقول الحقيقة للشعب بأن الجزائر مهددة من الداخل والخارج، وأنها على أبواب أزمة اقتصادية واجتماعية، ويجب أن نتكتل في جبهة جديدة لدعم الرئيس وليس لدعم الجزائر والجزائريين، وكأن الرئيس هو الذي يعيش الأزمة، ويحتاج إلى التفاف الجزائريين حوله، أو كأن جبهة التحرير التي تحكم اليوم هي في حاجة إلى دعم الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني والشخصيات رغم أنها تملك الأغلبية في البرلمان والحكومة وفي كل المواقع، ورغم أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب أيضًا!
منطق غريب وعجيب هذا الذي نسمعه ونعيشه هذه الأيام بعد سنوات من الكذب والتحايل والسياسات الفاشلة التي اختزلت الجزائر في شخص الرئيس كونه صاحب الفضل في الاستقرار والسلم وارتفاع أسعار النفط، وسقوط الأمطار وبناء المساكن والطرقات، ولكن بمجرد تراجع المداخيل وانخفاض قيمة الدينار اختفت تلك الأصوات التي كانت تنسب كل الإنجازات إلى فخامته، وراحت أصوات أخرى تبحث عن كبش فداء تحمله مسؤولية الفشل والتراجع، و تدعو الجزائريين إلى التقشف وشد الحزام، وتحمل تبعات انخفاض أسعار النفط.
بعد انهيار أسعار النفط استفاقت السلطة على بلد معرض للأزمة، مهدد بالإفلاس الاقتصادي والتفكك الاجتماعي، واستفاق الجزائريون على دولة منهارة من دون رئيس ومن دون حكومة ولا برلمان ومن دون نقابات ومنظمات جماهيرية ولا حتى مجتمع مدني، في وقت انشغلت فئات كبيرة من الشعب بمصير المدرب غوركوف ومنتخب الكرة، وانشغلت بتهديدات مدني مزراق، ووعود عمار سعيداني، وخرجات أحمد أويحيى وعلي حداد وعبد السلام بوشوارب، وكأن الجزائر لم تنجب غيرهم!
الجماعة التي أحاطت نفسها بالرديئين والمنتفعين، ومارست الظلم والإقصاء لسنوات طويلة شعرت بالعزلة في الظروف الصعبة لذلك لجأت إلى استعمال لغة التخويف والتهديد والتخوين لكل من يتجرأ على انتقاد 15 سنة من الكذب، ولكل من يبدي اعتراضه على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى الانسداد السياسي والتفكك الاجتماعي والتراجع الاقتصادي وأدت إلى تردي الأخلاق في كل الأوساط.
الجماعة لم تجد حلولًا لمشاكلنا سوى اللجوء إلى الاستدانة من الصين لتمويل المشاريع الكبرى بعدما كنا نتباهى بتقديم قروض لصندوق النقد الدولي، ونتباهى بمسح ديون أفريقيا، وكنا ندعي أن الجزائر استعادت عزتها وكرامتها، وأنعشت اقتصادها ولديها ما يؤهلها لتجاوز مشاكلها، لكن الحقيقة أننا لم نصمد بضعة أشهر، ولم نقدر على بناء دولة المؤسسات والقانون، وبناء الإنسان والمرافق والمنشآت وضمان مستقبل الأجيال الصاعدة!
تحت شعار الدولة المدنية قررت الجماعة تكسير جهاز المخابرات، وإضعاف مؤسسات الجمهورية، وتقوية رجال المال والرديئين والفاشلين، وراحت تمارس الإقصاء والتضييق على الحريات والتخويف والتهديد، وراحت تصفي حساباتها مع الرجال وتزرع الحقد والكراهية بين الناس مما انعكس سلبًا على معنويات الجزائريين وزاد من تخوفهم منالمستقبل!
المناخ السائد اليوم يوحي بأن الجزائر مقبلة على أيام عصيبة، وعلى أزمات متعددة الجوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وأخلاقية، وحتى أمنية لأننا نعيش انسدادًا سياسيا، ولم نعد نعرف من يقرر ومن يحكم، ولم نعد نعرف كيف نتصرف في مشاكل تراجع المداخيل وقيمة الدينار والتهرب الجبائي، ولم نعد نعرف كيف نتصرف في معضلة صراع الأجيال والتفكك الأسري وارتفاع نسبة الجريمة ونسبة الطلاق والتسرب المدرسي، وكذا تراجع القيم والأخلاق وتفشي الفساد.
صحيح أن الجماعة اضطرت إلى قول الحقيقة للشعب، لكن ليس كل الحقائق لأن الجزائر صارت فعلا في خطر بسبب ممارسات أبنائها وليس بسبب انخفاض المداخيل، وصارت في خطر بسبب الإقصاء الذي مورس على كثير من الجزائريين، والظلم الذي يتعرض له كثيرون، وليس بسبب من يعارضون منظومة الفساد، وينددون باختطاف الدولة من طرف الجماعة التي تتحمل لوحدها مسؤولية تراجع الجزائر وتذمر الجزائريين!
بالأمس كنا نقول بأن الجزائر معرضة للخطر بسبب عجز الرئيس وتسلط شقيق الرئيس، وبسبب رداءة محيط الرئيس وما يحدث في حزب الرئيس، وما ترتب عن ذلك من حقد وكراهية وتذمر وتراجع وتخلف، واليوم نقول بأن التاريخ لن يرحم الجبناء والمتواطئين الذين سكتوا عن اختطاف الدولة خوفا وطمعا، ولن يرحم من يتفرجون على انهيار الدولة، ويتفرجون على إهانة شعب تعرض للخيانة والخديعة أمام أنظار وأسماع العالم الذي صار يضحك علينا بعدما يستشهد ببطولات الرجال!
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 26 أكتوبر 2015