يلومني بعض القراء على أنني أركز في كتاباتي على ترصد النقائص والسلبيات دون ذكر الإيجابيات والإنجازات التي تحققت في عهد بوتفليقة، والنمو والتطور والاستقرار الذي تشهده الجزائر في كل المجالات، لذلك قررت هذه المرة الوقوف عند أهم تلك الإنجازات التي حققتها السلطة القائمة، وبالتالي تفنيد محتوى آخر تقرير اقتصادي أميركي صنف الجزائر ضمن خانة الدول الفاشلة والهشة على مستوى العالم، وتفنيد ما جاء في التقرير المتعلق بوضعية حقوق الإنسان المزرية في الجزائر خلال سنة 2014.
التقرير الاقتصادي اعتمد على معايير سياسية واقتصادية واجتماعية تنطبق على دول ومجتمعات سوية وطبيعية وليس على الجزائر التي لا تخضع لتلك المؤشرات، ولا تخضع للمعايير المعمول بها في العالم، والدليل على ذلك استمرار السلطة وبقاءها رغم تراجع الصادرات وارتفاع حجم الواردات، ورغم تراجع المداخيل وقيمة الدينار واختلال الميزان التجاري الذي سجل عجزاً بلغ 40 مليار دولار في ستة أشهر، وكذلك رغم انتشار الفساد وفقدان الثقة في المؤسسات وانعدام الشفافية في التسيير وعدم التطبيق العادل للقانون، وانتشار كل الآفات والعادات السيئة في المجتمع.
كما أن المؤشرات المذكورة في التقرير الاقتصادي والاجتماعي تحمل دلالات نجاح وليس إخفاق للسلطة، وأكبر نجاح حققته هو استمرارها واستقوائها رغم فشلها ورغم كل التقارير السلبية الصادرة عن مختلف تقارير المنظمات المحلية والعالمية، ورغم اتساع رقعة المعارضين وازدياد حدة التذمر في أوساط النخبة والأوساط الشعبية على حد سواء، ورغم التراجع الذي تشهده كل القطاعات المنتجة وتردي قطاع الخدمات.
المنظومة القائمة نجحت في ترشيح رئيس مقعد لعهدة رابعة، ونجحت في تخويف الشعب بالتصويت على بوتفليقة أو الانفجار، ونجحت في إبقائه في الحكم رغم عجزه وعدم قدرته على مخاطبة شعبه والقيام بواجباته الدستورية ورغم تراجع نسبة النمو وغياب تنمية اقتصادية محلية عادلة، ووجود فوارق بين فئات المجتمع، وضغطاً ديموغرافيا، وارتفاع نسبة البطالة ونسبة الانتحار، مع تزايد عدد اللاجئين، وهجرة الأدمغة الجزائرية بأعداد كبيرة فاقت تلك الأعداد التي هاجرت سنوات التسعينيات.
الجماعة حققت إنجازًا كبيرًا بعدما نجحت في اختراق المؤسسة العسكرية، وتقزيم كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ونجح شقيق الرئيس ومستشاره الخاص في التحايل على كل الشعب والاستحواذ على كل السلطات والصلاحيات بالاستعانة برجال المال وجيش من الانتهازيين والمنتفعين الذين تورطوا في قضايا نهب وفساد، وتحولوا إلى أبواق للسلطة، يدافعون عن خياراتها بكل شراسة لأنهم متورطون ومصيرهم مرتبط مع تلك الجماعة.
السلطة نجحت في إرضاء فرنسا وأميركا وبعض دول الاتحاد الأوروبي وإسكاتها بمشاريع استثمارية ضخمة، ونجحت في توسيع دائرة المنتفعين في الداخل واستغفال الجزائريين وشراء صمتهم بمساكن اجتماعية ومشاريع استثمارية وزيادات في الرواتب، ونجحت في تطويق كل الاحتجاجات بالاستجابة لكل المطالب الاجتماعية رغم صعوبة الوضع المالي وقيمة الدينار، وتأثير ذلك على مستقبل الأجيال القادمة.
السلطة نجحت في استهلاك أكثر من 700 مليار دولار في ظرف 15 عامًا وهو رقم لم تنفقه أميركا وروسيا والصين، دون أن تتمكن من تحقيق التنمية الشاملة، ونجحت في استمرارها في مواقعها رغم انتشار الفساد وتعدد فضائح النهب والسلب وتراجع الأداء الحكومي، كما نجحت في حماية المفسدين والفاشلين الذين لم تدنهم العدالة رغم تورطهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة!
السلطة نجحت في استغفال الشعب والكذب عليه بشكل لم يسبق له مثيل، وجعلته شعبًا اتكاليًا واستهلاكيًا يبحث عن منفعته الآنية، ولا يبالي بما يحدث للوطن من اختطاف، ونجحت في تقسيم وتقزيم النخبة السياسية والثقافية والتضييق على المعارضة وعلى الصحافة المستقلة، ونجحت في خنق بعض القنوات التلفزيونية الخاصة، وتخوين كل الأصوات الحرة والنزيهة لرجال ونساء لم يقدروا على شراء ذممهم.
مع كل هذا يبقى أكبر إنجاز حققته السلطة القائمة هو استمرارها في الحكم من دون رئيس يقف ويمشي ويخطب في شعبه، ويراقب ويوجه ويقرر ويعين ويقيل، وأكبر نجاح هو استحواذ محيط الرئيس على كل الصلاحيات لدرجة لا يقدر فيها الوزير على تغيير سكرتيرته من دون موافقة شقيق الرئيس، وإلى درجة تم فيها تغيير بعض الوزراء والسفراء والمديرين والولاة من دون علم الرئيس.
ما يحدث في الجزائر سيدرس في كتب التاريخ على أنه أكبر استغفال وتحايل على شعب في تاريخ البشرية، وأكبر خدعة وكذبة يتعرض لها بلد يملك قدرات وإمكانات لا مثيل لها، لكنه يعيش أزمات فريدة من نوعها، سيصعب تجاوزها في المستقبل.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 3 أغسطس 2015