hafid derradji

إخفاق دولةكان بإمكاننا تنظيم كأسين عالميتين!

مباشرة بعد اختيار الغابون لتنظيم نهائيات كأس أمم أفريقيا 2017، أطلق الجزائريون العنان لمشاعرهم وخيالهم وإبداعهم في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، وأبدوا في تعاليقهم حسرة وأسفًا وألمًا على الإخفاق، وتأكدوا مجددًا بأنهم عاشوا كذبة أخرى صنعتها السلطات الجزائرية التي كانت تقول بأنها قادرة على تنظيم كأسين عالميتين لكرة القدم، في إشارة إلى إمكاناتها المادية والبشرية الكبيرة، وكانت تقول إن الظفر بشرف تنظيم الدورة القارية المقبلة مجرد إجراء شكلي لأننا “نحن الجزائر وما أدراك ما الجزائر”!

لقد تناسى الجزائريون في ردود أفعالهم كل تلك المعطيات والأسباب الرياضية التي ذكرت سابقًا والمرتبطة بمقتل ايبوسي، ومشاكل حياتو مع راوراوة، ورفضنا تنظيم كان 2015، وراحوا في تعاليقهم يجمعون على مسؤولية السلطات العمومية في هذا الإخفاق بسبب فشلها في إدارة ملف يقتضي جهودًا دبلوماسية ومادية، وتنسيقًا بين مختلف الجهات فيما بينها ومع الدول الأفريقية التي ينتمي إليها أعضاء اللجنة التنفيذية، وخصوصًا مع عيسى حياتو صاحب الحل والربط في الهيئة الكروية الأفريقية الذي زار الجزائر ثلاث مرات على مدار سنة كاملة، التقط فيها الصور مع المسؤولين، من دون أن نتمكن من إقناعه أو الضغط عليه، أو حتى معرفة نواياه وتوجهاته قصد سحب ملف التنظيم قبل أن تقع الفأس في الرأس!

الجزائريون استفاقوا على إخفاق كبير لبلدهم الذي كان مسؤولوه يتغنون بريادته القارية وسيادته ومكانته بين الأمم، قبل أن يتضح بأن الأمر مجرد كلام فارغ وأوهام، بل دليل تراجع رهيب لسمعة الجزائر على الصعيد القاري، على الرغم من الزيارات الأخيرة لبعض القادة الأفارقة الذين ازدادت قناعتهم بأن الجزائر لم تعد كما كانت بعدما التقوا رئيسًا لا يقدر على الحركة والكلام، ومحيطًا لا يقدر على متابعة الملفات، كسر المؤسسات واستولى على كل الصلاحيات، وخنق كل المبادرات ومحاولات الرجال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!

الرئيس الغابوني من جهته كان حريصًا على تنظيم الدورة مثلنا، ولكنه جعل منها قضية دولة ولم يترك اتحادية بلاده لوحدها تصارع، بل راح في البداية يعرض خدماته لتعويض المغرب في احتضان دورة 2015، وقدم مساعداته للكاف وغينيا الاستوائية منظمة الدورة الماضية، وضغط على فرنسا لمساعدته مع هيئة حياتو مقابل تسهيلات منحها للشركات الفرنسية في بلاده، وراح يلتقي حياتو وأعضاء اللجنة التنفيذية عديد المرات في البرازيل وغينيا الاستوائية  لاستمالتهم وإقناعهم في وقت لم يكن الحدث في جدول أعمال أي اجتماع أو تنسيق بين مختلف الهيئات المعنية في الجزائر!

تقارير نشاطات الرئيس الغابوني كانت تصل أول بأول إلى السلطات الجزائرية، ومع ذلك راح وزير الرياضة ممثل السلطات العمومية بعد التصويت يتحدث عن عمل الكواليس ويلمح إلى ممارسات لا رياضية ولا أخلاقية في “دولة” الكونفدرالية الأفريقية، ونسي أن المنظومة كلها في الجزائر مبنية على الكولسة والرشوة والجهوية وشراء الذمم، ونسي أيضًا أن يعترف بأن مرافقنا ليست جاهزة مقارنة بالغابون، يموت فيها اللاعبون والمناصرون، ويستغرق إنجازها عشرات السنين مثلما يحدث مع ملاعب وهران وسطيف وتيزي وزو وبراقي التي لم ترَ النور بعدما؛ حطمت الرقم القياسي العالمي في تأخر وتيرة الإنجاز!

إخفاقنا هذه المرة في الحصول على تنظيم كأس أمم أفريقيا لا يمكن اعتباره أمرًا عاديًا وبسيطًا، بل هو دليل آخر على فشل السلطة في تسيير شؤوننا، ودليل على أن الجزائر لم تعد كما كانت قاريًا بعدما فقدت وزنها، على الرغم مما أنفقناه لتسديد ديون الأفارقة، وعلى الرغم من جهودنا مع منظمة الاتحاد الأفريقي، ومحاولاتنا اليائسة لقيادة مشروع “النيباد” الذي لم نجنِ منه شيئًا لحد الآن مثلما لم نجنِ شيئًا من الفراغ المؤسساتي الذي نعيشه وغياب الانسجام بين مسؤولي مختلف المؤسسات بسبب عجز الرئيس عن القيام بواجباته.

الإخفاق للأسف سيسجل على السلطة التي تستمر في الإساءة للدولة، وتستمر في التحايل والتفاخر والكذب وتغليط الشعب مثلما فعلت ذات يوم من سنة 2012، عندما دفعت الرئيس إلى الإعلان عن أن الجزائر قادرة على تنظيم كأسين عالميتين لكرة القدم، في وقت لم نقدر على دورات محترمة بين الأحياء، وتنظيم نشاطات رياضية وثقافية لأبنائنا، وفي وقت لا يملك المنتخب ملعبًا محترمًا يسع خمسين ألف متفرج، ولا تملك الجزائر مطارًا يشبه مطارات العالم، ولا مستشفى متطور يداوي فيه الرئيس والوزراء، ولا مرافق سياحية وثقافية واجتماعية حديثة يستمتع بها الشعب ويفتخر بها فعلًا بين الأمم.

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 13 أفريل 2015

التعليق هنا

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل