بعد إجراء قرعة نهائيات كأس أمم إفريقيا فسح المجال لتحاليل المهتمين وتكهناتهم بشأن حظوظ المنتخب الجزائري في التتويج، وارتفعت حمى الكرة والمنتخب في الوسطين الجماهيري والإعلامي في سيناريو متواصل منذ 2009 وكأن همنا ومصدر سعادتنا الوحيد هو المنتخب دون غيره من المنتخبات والرياضات الأخرى التي تتراجع فيها الممارسة والنتائج وتتخبط في مشاكل مادية وتنظيمية منذ سنوات، أو كأننا نعيش ظروفا عادية وطبيعية وكل شيء يسير على ما يرام في جزائر اليوم!
في كل وسائط التواصل الاجتماعي أصبحت كأس أمم افريقيا حديث الساعة، وعندما تريد أن تتحدث عن شؤون الجزائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية المتردية يسألك بعض المدونين عن القرعة وحظوظ الجزائر وهل سنفوز باللقب القاري، ولا يولون الأهمية مثلا لاعتراف الوزير الأول في باريس بأن الرئيس كان في مستشفى غرونوبل منذ أسبوعين، ولا لتقرير منظمة شفافية التي صنفت الجزائر في ذيل الترتيب العالمي لمؤشر الفساد، ولا يتجاوبون مع التحايل المستمر على أبناء شعبنا في كل مناطق الوطن وكل مجالات الحياة!
قد يقول قائل بأن الجزائريين تعبوا من هموم السياسة والكلام في هموم الوطن وفقدوا أملهم في التغيير لذلك يهربون إلى متعة الكرة والفرحة التي يمنحها لهم منتخبهم كل مرة، ولكن بماذا نفسر الاستغلال المتزايد للكرة والمنتخب من أجل إلهاء الناس عن قضاياهم الأساسية؟ والتغطية على التراجع الذي تعرفه الكرة عموما والرياضات الأخرى التي تتخبط في مشاكل ومتاعب لا حسر لها بسبب نقص الموارد والمرافق وضعف التأطير ما أدى إلى ضعف النتائج وتراجع حجم الممارسة الجماهيرية للرياضة؟ وبماذا نفسر هذه العزوف الجماعي للجزائريين عن الاهتمام بمشاكل المدرسة والجامعة والصحة والنهب الذي تتعرض له خيرات الوطن وسوء التسيير والتدبير؟
سمعت ذات مرة أحد النشطاء السياسيين الجزائريين الشباب وهو يتمنى المزيد من التراجع في أسعار النفط حتى تتراجع المداخيل وينكشف أمر تحايل السلطة على أبنائها وتصبح غير قادرة على شراء الذمم والسلم الاجتماعي ، وقد نسمعه ونسمع غيره يتمنون اخفاق المنتخب الوطني حتى لا تستغله نفس السلطة في إلهاء الناس وتخديرهم بأفيون كرة القدم لتمرير مشاريعها التي تهدف إلى إبقاء الرئيس رئيسا وهو عاجز، وتمرير مشروع التوريث وكل المخططات الهادفة إلى اسكاتنا وتخويفنا وتخويننا ليواصلوا اختطافهم للوطن.
أنا لست ممن يتمنون تراجع أسعار النفط ومداخيل الجزائر لأنها مكتسبات الوطن والشعب، ولا أتمنى تراجع نتائج المنتخب لأنه المصدر الوحيد لسعادة الجزائريين، ولكنني سأبقى من دعاة التغيير السلمي والهادئ لمنظومة الحكم التي تستغفل الجزائريين و تتحايل عليهم وتجعل من الكرة همهم الوحيد في هذه الحياة التي نحن بصدد اختزالها في منتخب الكرة الذي يحظى باهتمام رسمي وإعلامي رغم أنه لم يعد بحاجة إلى أموال الدولة ولا إلى مرافقها ومختلف هيئاتها منذ مدة لأنه يتمتع باستقلالية في التسيير والتمويل عكس الكثير من المنتخبات والنوادي والرياضيين الأخرين الذين لم نعد نسمع عنهم وعن انشغالاتهم وطموحاتهم!
نهائيات كأس أمم افريقيا المقبلة ستكون بالنسبة إلينا مناسبة للفرجة والمتعة لكنها بالنسبة للسلطة ستسمح بشراء مساحة زمنية من السلم الاجتماعي الذي يضمن لها الاستمرارية على حساب أمالنا وطموحاتنا في بناء دولة قوية ومجتمع سوي وضمان مستقبل أفضل لأبنائنا والأجيال الصاعدة
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 7 ديسمبر 2014