المتتبع منذ زمن لسياسة بوتفليقة في التعامل مع المؤيدين والمعارضين ومع كل القضايا والمحطات التي تهم الوطن على مدى خمسة عشر عاما من حكمه يكتشف حجم التحايل الذي مارسه الرئيس على الجميع ولايزال يمارسه من خلال التماطل في تعديل الدستور الذي وعد به قبل الرئاسيات مثلما وعد في إعلانه للترشح بأن العهدة الرابعة ستكون عهدة انتقالية يتم فيها نقل السلطة إلى جيل جديد يستند إلى الشرعية الشعبية وليس التاريخية أو الثورية ..
قد يقول البعض بأن الأمر ليس جديدا وأن بوتفليقة معروف بمكره وحنكته الدبلوماسية منذ الاستقلال، ولكن أن يصل به الأمر إلى التحايل على الشعب ومؤسسات الجمهورية، وعلى مؤيديه والمساندين له مثلما فعل مع بن بيتور وبن فليس وبلخادم وبشير بومعزة وكريم بن يونس وآخرين فهذا الذي يثير علامات الاستفهام ويؤكد بأن الرجل ليس له صديق ولا يرضى بأن يشرك به أحد لأنه يعتقد أنه صاحب الفضل على الجزائر وبفضله دون غيره عم السلم والاستقرار، وببركته ارتفعت أسعار المحروقات ونزل المطر وازدادت مداخيل الجزائر، وبفضل رعايته تأهل المنتخب الجزائري إلى المونديال مرتين متتاليتين !!
الرئيس تحايل علينا منذ مجيئه سنة 99 عندما نسب لنفسه نجاح مشروع المصالحة الوطنية وعودة السلم والأمن، واختزل الجزائر في شخصه دون غيره من الرجال والنساء الذين صمدوا في وجه الإرهاب واستشهدوا دفاعا عن الجمهورية، وذهب أبعد من ذلك عندما صرح لوسائل إعلام فرنسية بأنه “هو الجزائر” ولا يحق لأحد غيره أن يتحدث أو يقرر باسمها.
بوتفليقة تحايل علينا عندما وعدنا في كل خرجاته بالعزة والكرامة لكننا استفقنا على كذبة كبيرة عنوانها المذلة والمهانة التي دفعت بشبابنا إلى الموت في عرض البحار بحثا عن لقمة العيش، وتدفع بهم الى الموت في ورقلة وغرداية عدما يخرجون للمطالبة بحقوقهم، وتحايل علينا عندما وعدنا بالعدالة الاجتماعية فوجدنا أنفسنا اليوم عرضة لفوارق اجتماعية رهيبة بين أصحاب المال والنفوذ وبين طبقة شعبية تزداد حرمانا رغم كل الاغاراءات.
بوتفليقة تحايل علينا عندما وعدنا بإعادة الاعتبار للجزائر وانعاش الاقتصاد الوطني لكن أسهم الجزائر تراجعت دبلوماسيا ولم يعد يسمع لنا صوت في الهيئات الدولية واقتصادنا لايزال مرتبطا بعائدات المحروقات التي سيدفع ثمنها الشعب عندما تتهاوى الأسعار دون أن نقدر على إنتاج الثروة وتحسين الخدمات بعدما تزايدت فضائح النهب والسلب في عهده من المقربين الذين ازدادوا ثراء دون حساب أو عقاب من سلطة قضائية لا تتحرك الا بإذنه!
بوتفليقة لم يتوقف عند هذا الحد بل تحايل علينا عندما عدل الدستور سنة 2008 ليعيد فتح العهدات الرئاسية، وتحايل علينا عندما خطب فينا سنة 2009 قائلا بأنه “طاب جنانو” وانتهى عهد الشرعية الثورية والتاريخية ليترشح لعهدة رابعة على كرسي متحرك بعدما وعدنا بإعادة تعديل الدستور مباشرة بعد الرئاسيات ثم تسليم المشغل بعد ذلك ولكن دون أن يقدر على الوفاء بالتزاماته لأنه وقع رهينة بين أيدي محيطه الذي يبدو مصرا على البقاء في السلطة مهما بلغت كلفة شراء الذمم والسلم الاجتماعي ومهما بلغت درجة التذمر والاحباط.
الرئيس تحايل بعد ذلك على مؤسسة الجيش فراح يساومها ويهددها ويفكك ركائزها تمهيدا لتفكيك الدولة والاخلال بتوازناتها لينفرد بالحكم، وتحايل على المجلس الدستوري ومجلس الشعب ومجلس الأمة وكل مؤسسات الجمهورية التي أراد أن تصبح وظيفتها خدمته لا خدمة الدولة والشعب تمهيدا لتمرير الحيلة الكبرى من خلال اختيار وتدعيم خليفة له يضمن الحماية لمحيطه ويبقي الجزائر رهينة بين أيادي لا ترحم ولا تخاف الله !!
التاريخ لن يرحم والشعب سيكتشف مستقبلا أمورا رهيبة حدثت في عهد بوتفليقة ستنسينا كل حسناته وإيجابياته التي ميزت فترة حكمه ولا ينكرها إلا جاحد وحاقد.
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 24 نوفمبر 2014