hafid derradji

لا أقدر على الكتابة في الرياضة (3)

للأسبوع الثالث على التوالي أواصل الامتناع عن الكتابة في الرياضة رغم انطلاقة الموسم الكروي وبداية منتخبنا لمشواره التصفوي برسم كأس أمم افريقيا المقبلة  لأن كل قواميس العالم تعتبر الكرة مجرد لعبة ترفيهية  تحولت عندنا إلى قضية وطنية  تلهينا عن همومنا وتحولت إلى مسرح لممارسة كل أشكال العنف المؤدي إلى الفتن ، وصارت تقتل وتثير النعرات وتشغل الناس عن شؤونهم اليومية ، وبلغت حد إثارة واستنفار الحكومة  وكل مصالح الدولة للبحث عن الحلول الناجعة للحد من ظاهرة العنف التي تهدد ملاعبنا ..

لن أكتب في الرياضة ما دمنا نعتبر بأن العنف ظاهرة لصيقة بجماهير الكرة فقط ، وما دمنا نكتفي برد الفعل بعد وقوع الكوارث ولا نأخذ احتياطاتنا ولا نتخذ الإجراءات اللازمة  لتجنب أسباب الظاهرة ، وما دمنا أيضا نستعمل مصطلحات عنيفة ضد العنف مثل ” مكافحة ومحاربة العنف” عوض الحديث عن معالجة الظاهرة ومرافقة أبنائنا وتثقيفهم وتربيتهم وتوفير كل الشروط والظروف التي تسمح لهم بالتعبير عن آراءهم ومشاعرهم  مع الاستمتاع بالكرة باعتبارها مجرد لعبة ..

أما حديث البعض عن ضرورة تطبيق القانون وتسليط العقوبات الردعية الصارمة فهذا ذنب آخر للسلطات المعنية يدل على أننا تساهلنا مع المتسببين في العنف وأعمال الشغب ولم نطبق عليهم القانون سابقا حتى اعتقد المشاغبون بأنهم فوق القانون ويمكنهم فعل ما يشاؤون !!

العنف في الجزائر لا يقتصر على الملاعب فقط وروادها، وهو أنواع وأشكال سائدة ومنتشرة  في أوساط الأسرة والمدرسة والشارع وفي الطرقات التي تقتل الآلاف سنويا بسبب حوادث المرور، والعنف في الجزائر له دوافعه و أسبابه التي تتطلب تظافر جهود الأولياء مع مؤسسات التربية والتكوين والأمن و مؤسسات المجتمع المدني  وكل من له علاقة بتربية النشء ومرافقة الشبان في حياتهم اليومية ..

العنف في الجزائر لا نحاربه ولا نكافحه بل نعالج مسبباته باستمرار وليس بصفة ظرفية مناسباتية تتسم بالتهريج  السياسي والاعلامي ويتهرب فيها كل طرف من مسؤولياته ويلقي بها إلى أطراف أخرى وينسون بأن كل ممارساتنا ومعاملاتنا اليومية تتسم بالعنف اللفضي والجسدي والمادي حتى أن الكثير من الجزائريين عنيفين مع أنفسهم وأولادهم ومحيطهم ، والكثير من الساسة والمثقفين والاعلاميين يسوقون للعنف والاقصاء والحقد بطرق مباشرة وغير مباشرة من خلال تصريحاتهم وتصرفاتهم وكتاباتهم ..

مشكلتنا الكبرى ليست في مقتل ايبوسي  وتعرض اللاعبين والمدربين والحكام لأعمل العنف كل مرة، ولا في الشغب الذي يرافق الكثير من المنافسات الرياضية في الشوارع والطرقات ، ولكن المشكلة أخلاقية وفكرية وتربوية وقانونية تتحملها الكثير من الاطراف ، ومشكلتنا في التواصل الأسري والاجتماعي المفقود بين أفراد العائلة الواحدة وبين الفاعلين في مختلف مؤسسات الدولة وجمعيات المجتمع المدني ما أدى إلى تراكم المشاكل النفسية والاجتماعية في الأوساط الشبانية ، وأدى إلى استفحال الظاهرة وانتشارها إلى درجة صارت فيه النفس البشرية رخيصة لا تساوي شيئا .. وصار الإهتمام بمسببات العنف يظهر فقط مع كل حادث يتحدث عنه الاعلام فكم من حادث وقع ولم يكن في دائرة الضوء وتم تجاهله عمدا لأن تصرفات الكثير من مسؤولينا إن وجدت تتم وفق التداول الإعلامي لأي حدث، بل أن الأمر عندهم يتم إستغلاله من الجانب الذي يهمهم دون البحث عن السبب الجذري ، ويريدوننا أن نكتب في الرياضة فقط ونهتف “وان تو تري فيفا لالجيري” كل وقت!!

حفيظ دراجي

نشر في جريدة الشروق بتاريخ 7 سبتمبر 2014

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل