خلال إقامتي في الجزائر هذه الصائفة ومعاينتي عن قرب لبعض القطاعات ولقاءاتي مع مختلف أطياف المجتمع بما في ذلك إطارات كبيرة في الدولة لمست الكثير من الأسف والحسرة على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية بفعل ممارسات أطراف تخطط ــ فقط ـــ لكيفية البقاء في السلطة والحصول على المزيد من النفوذ والمكتسبات حتى ولو اقتضى الأمر شراء ذمم كل الجزائريين ، ولكنني لمست مقابل ذلك حرصا من أطراف مسؤولة في الدولة لم تستسلم ولم تفقد الأمل في مستقبل أفضل وستبقى حريصة على تحمل مسؤولياتها التاريخية وتجنب الانحراف !!
لدى من التقيتهم هذه الصائفة لمست الكثير من الأسف والحسرة على الجمود السياسي السائد وتراجع دور حزبي الأغلبية عن أداء دورهما، والأسف والحسرة على أحوال الطبقة السياسية التي لم تقدر على التغيير وتقديم البديل ولم تقدر على تشكيل قوة تأثير في مسار الأحداث، ومقابل ذلك لمست تفاؤلا بمستقبل لن يكون أبدا كما هو عليه اليوم مهما طال الزمن !!
لمست الكثير من الأسف والحسرة على مسؤولين لم يكونوا في مستوى الثقة وفشلوا في مهامهم بعدما اكتفوا بانتظار الأوامر لتنفيذها إرضاءًا للرئيس ومحيطه، ومع ذلك لم ولن يسلموا من الإقالة أو الإهانة بعدما تسببوا في العجز الذي وقعت فيه الكثير من مؤسسات الدولة بسبب ضعفهم أو تواطؤهم مع قوى الشر !!
لمست عند من التقيتهم حسرة وأسف على اللامبالاة المتفشية في الأوساط الشعبية التي استقالت بدورها من المشهد ولم تعد تحركها الغيرة على الوطن كما كان الحال عبر التاريخ رغم التقصير المسجل في مجالات متعددة منها ما يمس بكرامة الجزائريين وسيادتهم التي لم تعد تستفزنا !!
لمست الكثير من الحسرة والاسف والألم على سكوتنا عن فضائح النهب الكبير والرشوة المتفشية في الكثير من المستويات بدرجة لم يسبق لها مثيل حتى أصبحت ذاكرتنا قصيرة تنسى بسرعة فضائح سوناطراك والطريق السيار والأموال المنهوبة وكأنها أمور لا تعنينا أو كأننا متواطئين مع أصحابها !!
لمست حسرة على المشهد الإعلامي العمومي والخاص رغم تعدد القنوات وبروز جيل جديد من الاعلاميين الواعدين القادرين على رفع التحديات إذا تجنبوا الغرق في وحل الرداءة والمال الفاسد الذي يريد السيطرة على عقول وقلوب الجيل الصاعد، ولمست خيبة كبيرة بشأن الأسرة الاعلامية التي تخلت عن دورها في الاعلام والتوعية والتثقيف وراحت بدورها تمارس التضليل وتصفية الحسابات !!
للأمانة فإنني لمست ـــ أيضا ـــ لدى من التقيتهم الكثير من الوفاء والتقدير لشخص الرئيس، والعرفان لما قدمه على مدى خمسة عشر عاما مقابل الكثير من الأسف والحسرة على عدم وفائه بكل التزاماته السياسية وبقائه رهينة محيط ضيق يمارس الابتزاز والنهب ويصفي حساباته مع من يختلف معه !!
أمور أخرى كثيرة لمستها لن أذكرها تجنبا للحرج وحتى لا أتسبب في المزيد من مشاعر اليأس لأن تفاؤل من التقيتهم يبقى كبيرا بمستقبل أفضل ولو بدونهم خاصة بعدما أدركنا بأن استقرار الجزائر لم يعد مهددا من الخارج كما تصوره بعض الأطراف السياسية والاعلامية بقدر ما هو مهدد من الداخل من طرف أناس لا يفكرون سوى في مستقبلهم السياسي على حساب شعب يعلم جيدا بأن استقرار بلده لا يمكن أن يرتكز فقط على توزيع سكنات جديدة على المحتاجين وبعث مشاريع استثمارية لفائدة الشبان ووعود بالمزيد من التسهيلات والتنازلات ..
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر في 25 أغسطس 2014