كثيرة هي الرسائل والتعاليق التي تصلني عبر الإيميل وصفحة الفايسبوك تدعوني للكتابة في شؤون الرياضة عموما والكرة على الخصوص والابتعاد عن المجالات الأخرى، السياسية والاجتماعية والاعلامية وغيرها من المواضيع التي أخوض فيها مرغما منذ مدة، بعض أصحاب تلك الرسائل ينتقدونني بسبب ما أكتب اعتقادا منهم بأنني أبالغ، والبعض الأخر يدعونني بكل مودة واحترام إلى عدم الخوض في مجالات ملوثة ورديئة لا جدوى من الخوض فيها في الوقت الراهن بدعوى الغموض السائد في كل شيء !!
وفي كل مرة أحاول الاستجابة لبعض تلك الدعوات الصادقة وأهرب من هم الكتابة في الشؤون العامة لبلدي أجد نفسي كل أسبوع أخوض فيها بسبب التراجع المتواصل وبحكم مسؤوليتي المهنية و واجبي تجاه أبناء بلدي و وطني الذي أحلم مثل غيري بأن يكون أفضل مما هو عليه اليوم ، وأزداد إصرارا على الكتابة كلما أعود الى الجزائر والتقي مسؤولين كبارا في الدولة يغارون على الوطن ويخافون عليه أكثر منا لكنهم يقرون بالتقصير الحاصل ويعترفون بالفشل في الكثير من المجالات من طرفهم ومن طرف الكثير من الجهات المسؤولة عن مختلف القطاعات !!
لقد أدركت وتيقنت بأن ما نعرفه وما نقوله ونكتبه أقل بكثير مما هو حاصل في العلن وما هو في بطن الخفاء على كل المستويات التي تشهد الكثير من التراجع والتقصير والتخوين والنهب المنظم لخيرات الوطن من أطراف لا يهمها سوى البقاء في السلطة وإرضاء ولي أمرها، وصرت على يقين بأن استمرار الحال صار من المحال لأنه سيؤدي إلى مزيد من التراجع وينعكس سلبا على المعنويات وكل القطاعات عاجلا أم آجلا، وقد يؤدي إلى مشاكل ومتاعب نحن في غنى عنها !!
في ظل كل هذا لم تعد شؤون الرياضة تلهمني لأسباب مختلفة يطول شرحها مقابل ذلك شؤون بلدي السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية والأخلاقية تدفعني كل يوم للخوض في مواضيع أخرى لأن الأمور ليست على ما يرام تماما بشهادة حتى من هم في دواليب السلطة من الذين يدركون حجم التقصير في حق شعبنا وبلدنا ومن يدركون بأن الآفاق ستكون مسدودة إذا لم تبادر السلطة بمساهمة المجتمع المدني والشخصيات الوطنية لإيجاد مخرج من الجمود السياسي وتراجع دور المؤسسات وازدياد نفوذ رجال الظل وأصحاب المال وغياب مشروع المجتمع اللائق.
لم أعد قادر على الكتابة في الرياضة لأنها صارت جزءا من التراجع الذي نعيشه ماعدا ما يفعله المنتخب الاول لكرة القدم الذي نتمنى أن لا تصيبه العدوى ويتراجع مثل باقي الرياضات الفردية والجماعية التي تعاني ضعف الممارسة وقلة الامكانيات والمرافق وغياب استراتيجية واضحة للنهوض بها مما انعكس على النتائج في المحافل الدولية، وانعكس سلبا على معنويات شبابنا وطموحاتهم التي تتراجع باستمرار ..
صرنا الأفضل في الشيتة والتطبيل والتخويف، وفي التحايل على أبنائنا بمسكنات ظرفية سرعان ما يزول مفعولها من خلال إلهائهم بمنتخب الكرة والسكنات التي توزع عليهم والوعود بمشاريع اقتصادية واجتماعية تزيد من حجم النهب أكثر مما تنفع أبناءنا ..
حفيظ دراجي
نشر في جريدة الشروق بتاريخ 24 أغسطس 2014