hafid derradji

الاختلاف ظاهرة صحية ، لكن ليس الانقسام

 في السياسة كما في الرياضة وكل الشؤون العامة، الاختلاف في الآراء والمواقف والتحليلات بين الجزائريين هي ظاهرة صحية يجب تثمينها ودعمها وتشجيعها والحفاظ عليها خاصة عندما تكون بالأدب والاحترام اللازمين بين الفاعلين سواء كانوا فنيين أو إعلاميين أو حتى في الأوساط الجماهيرية التي اختلفت حول القائمة التي أعلن عنها مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم تحسبا لمواجهتي غينيا وأوغندا، واختلفت في تقدير خيارات المدرب، وموقف رياض محرز من عدم استدعائه، وما نشره على حساباته بعد الكشف عن قائمة اللاعبين المدعوين، لكن بعض الانتقادات تجاوزت الحدود لدرجة قد تؤثر على معنويات المنتخب ومردوده ونتائجه.

لا أريد الدخول في التفاصيل والجزئيات ، ولا التعليق على عدم استدعاء رياض محرز هذه المرة لأن المدرب حر في خياراته، ولا حتى التعليق على تصرف رياض محرز مع منتخب بلاده منذ نهائيات كأس أمم إفريقيا الأخيرة ، لأنني أضع نفسي في مكانه بسبب ما تعرض له من انتقادات، ولأن التحاليل والتعاليق التي سمعتها وقرأتها تفي بالغرض ، وتكفي لتشكيل فكرة وصناعة رأي عام، انقسم في نهاية المطاف بين منتقد ومؤيد لكليهما، لكنني أثمن رغبة رياض محرز في الاستمرار مع المنتخب عندما قال أنه كان يريد المشاركة في اللقائين القادمين، وأثمن رغبة المدرب في الاعتماد عليه مستقبلا عندما يبدي استعداده للعودة ما دام هو من طلب إعفاءه من تربص شهر مارس الماضي.

لا أريد أيضا التعليق على من هو المقصر في عملية الاتصال والتواصل بين الرجلين، لأن الأمر يقتضي التأكد من تفاصيل مكالمة شهر مارس الماضي بين الرجلين لمعرفة طبيعة الاتفاق الذي تم بينهما، وهل كان على محرز أن يتصل مجددا لإبداء استعداده للعودة، أم كان على المدرب أن يتصل باللاعب لمعرفة مدى جاهزية رياض محرز للعودة، ولا أريد الإفصاح عن ما أعرفه شخصيا لأن الظرف لا يسمح بذلك، حفاظا على استقرار المنتخب قبيل موعدين هامين، و حفاظا على معنويات المدرب وسمعة رياض محرز في الأوساط الاعلامية والجماهيرية، باعتباره قائد الفريق وأحد أعمدته الذي قدم الكثير ولا يزال بامكانه تقديم المزيد للخضر.

رغم تفهمي لموقف الرجلين الا أنني كنت أتمنى أن يتصل رياض محرز بالمدرب بيتكوفيتش ويستفسر عن وضعيته ويوضح موقفه، أو على الأقل يلتزم الصمت مثلما فعل شهر مارس الماضي عندما طلب اعفائه من المشاركة في المباراتين الوديتين السابقتين، أو يؤجل الكلام الى ما بعد الخرجتين القادمتين حتى يتجنب التأويلات والتعليقات في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، التي يبقى من حقها مناقشة خيارات المدرب والتعليق عليها و هي  ظاهرة صحية عادية تحدث في كل منتخبات العالم مع كل المدربين واللاعبين ، لكن التشويش والتهريج والتهييج والافتراء والتهكم على المدرب واللاعب على حد سواء هو ظاهرة مرضية يجب تجاوزها، أو على الأقل تحجيم تأثيرها .

للأسف ، لم يعد يعجبنا العجب ، فنجد نفس الأطراف التي ننتقد المعارضة السياسية عندما تعارض ، ننتقدها عندما تساند أو تلتزم الحياد، مثلما وجدنا نفس الأطراف التي انتقدت اقحام محرز أساسيا في كأس أفريقيا الأخيرة وطالبت برحيله، تنتقد المدرب عندما يستدعيه ، وننتقد عندما يتخلى عنه، حسب الأهواء و توجهات عامة الناس، بينما نجد أطراف أخرى تمتهن الانتقاد لأسباب ذاتية حسب موقفها من المدرب أو رئيس الاتحاد أو اللاعب في حد ذاته، وهو الأمر الذي لم يعد يليق بالمشهد السياسي والرياضي عندنا ، ويجب أن يتغير مع الوقت دون الحاجة الى تكميم الأفواه والتضييق على الحريات التي تبقى مكسبا يجب الحفاظ عليها وتكريسها. 

في الاعلام كبرنا على قاعدة مفادها أن “الخبر مقدس و التعليق حر” ، لكن على الجميع أن يدرك بأن الحرية مقرونة دائما بالمهنية والمسؤولية والأمانة والأخلاق العالية ، في كل المجالات بما فيها الكرة التي تبقى مجرد لعبة ، تجمع ولا تفرق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الذي يجب أن نلتف حوله مهما كانت الظروف، ومهما كانت هوية المدرب وأسماء اللاعبين الذين يشكلونه، وبالتالي نتجاوز شعارات “كلنا بلماضي” ، “كلنا محرز” ، “كلنا بلايلي”، أو “كلنا بيتكوفيتش وصادي” ، وننتقل الى مرحلة “كلنا الجزائر”، ونتجاوز الاختلاف الذي بلغ درجة الانقسام .

حفيظ دراجي

02 جوان 2024

حفيظ دراجي

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل