في وقت تسعى فيه الى توفير أسباب النمو والتطور والرفاهية لشعبها رغم النقائص والتقصير الحاصل في بعض المجالات، وتحرص على تكريس استقلالها و سيادتها ، وتخوض حروبا ضد الفقر والجهل والتخلف وكل الآفات الاجتماعية التي تغرق فيها عديد المجتمعات من حولنا، تواجه الجزائر تحديات أخرى متعددة ، وحروب صامتة وأخرى ناعمة في مجالات متعددة من القريب قبل الغريب بسبب مواقفنا من القضايا العادلة في العالم، و التزامنا بقيمنا ومبادئنا وحرصنا على استقلالية قرارنا ، ما يفرض علينا مزيدا من الحرص على تحصين شعبنا وبلدنا بميكانيزمات جديدة ترافق المؤسسات الدستورية السياسية والأمنية والعسكرية القائمة خاصة في مجال الإعلام والثقافة والسياحة والرياضة من خلال تأسيس هياكل استشارية للرصد والاستشراف.
صحيح أن أغلب مؤسسات الجمهورية تتوفر على مستشارين تعود إليهم في مختلف القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لكن الحروب الناعمة المفروضة علينا صارت أخطر و أكثر شراسة، تفرض علينا التأسيس لهياكل جديدة على أعلى مستوى في هرم الدولة مشكلة من خبراء ومتخصصين مستقلين عن الهيئات الرسمية، يتولون مهام الرصد والاستشراف وتقديم المقترحات لصاحب القرار في مواجهة حروب لا تدركها الأبصار لكنها أكثر خطورة على النفوس والقلوب والعقول ، في مجالات لم تعد ثانوية أو بلا أهمية مثلما كنا نعتقد الى وقت قريب، قبل أن يتحول العالم الى قرية بفعل التحولات التكنولوجية و الدور المتنامي لمختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
ما تعرض له مؤخرا فريق اتحاد العاصمة لكرة القدم كان يقتضي الاستعانة بكل الكفاءات الرياضية والقانونية التي تزخر بها الجزائر في الداخل والخارج لمرافقة الرياضيين والأندية والمنتخبات والاتحاديات في معاركهم الرياضية والقانونية، وتنوير صاحب القرار حول الخيارات المتوفرة لأجل اتخاذ القرار الملائم مع الأخذ بعين الاعتبار كل العواقب والتداعيات، والاستثمار في كل العلاقات الشخصية والمهنية والرسمية، وكل امكانياتنا المادية لتوطيد العلاقات مع كل الفاعلين في الحقل الرياضي ، دون إغفال ضرورة تطوير المنظومة الرياضية وتوفير الإمكانيات للرياضيين والأندية والمنتخبات حتى يتألقوا بمهاراتهم وجهودهم.
نفس الأمر يجب أن ينطبق على المجال الثقافي من خلال الاستثمار في نخبة المثقفين والفنانيين والمختصين، في مواجهة كل أنواع السرقة التي يتعرض لها التراث الثقافي الجزائري ، في مجال الألبسة والأكلات ومختلف الفنون، بما في ذلك الاغاني والموسيقى الجزائرية مثل رقصة العلاوي أغنية الراي وأغاني رابح درياسة و كمال مسعودي ، دون الحديث عن التقليد والسطو على الموروث الجزائري التقليدي على غرار القفطان و الحايك و الكاراكو العاصمي و والبرنوس والقندورة و جبة الفرقاني القسنطينية، والشاشية والشاش ومختلف الأكلات التقليدية كالكسكس والطاجين والدولمة والحريرة والشخشوخة والرشتة والزفيطي، وكل التراث المادي واللامادي الذي يتعرض للسرقة والاختطاف والاستيلاء منذ سنوات.
ما يحدث في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي من كذب و افتراء وتزوير للحقائق وهجمات شرسة ضد كل ما هو جزائري في كل المجالات، يبدو مخططا و ممنهجا من طرف مخابر أجنبية معادية ، ما يقتضي أيضا الاستعانة بهيئة استشارية للرصد و الاستشراف والتخطيط بالموازاة مع عمل مؤسسات الدولة الرسمية ، المطالبة بخوض معركة الوعي وتحصين شبابنا في مواجهة أشرس المعارك وأخطرها على الاطلاق، كنا الى وقت قريب نعتبرها معارك ثانوية مقارنة بالعمل المخابراتي والدبلوماسي ، والتفوق العسكري الذي لن يكتمل دون الاهتمام بكل الجزئيات والتفاصيل التي تصنع الفارق في مجالات الثقافة والسياحة والفنون والرياضة.
يجب أن نتحول من وضعية الدفاع الى الهجوم ويصبح الشأن الثقافي والرياضي والإعلامي قضية دولة من خلال التأسيس لقيادة أركان مدنية استشارية جديدة تتولى مهمة الاستشراف و رصد الأحداث، واقتراح سبل التعامل معها لتسهيل مهمة الهيئات التنفيذية في اتخاذ القرارات الملائمة، واشراك كل الجزائريين في حماية تراثنا وموروثنا وشبابنا، والتسويق لرصيد ثوري حضاري وثقافي ورياضي ثري ومتنوع ومتميز ، نفتخر ونعتز به في كل الظروف والأحوال
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 5 مايو 2024