بعد انسحاب الجزائر من سباق تنظيم نهائيات كأس أمم افريقيا والجدل الذي رافقه في الأوساط الاعلامية والجماهيرية، وكان أغلبه مؤيدا لقرار السلطات الجزائرية ، تتوجه أنظار الجزائريين نحو المستقبل ، وكيفية مواجهة التحديات التي تنتظرنا في مجال الكرة والاستثمار في المرافق التي تم تشييدها والمواهب الرياضية التي تزخر بها الجزائر في جميع الرياضات، حتى تتمكن من تفجير طاقاتها لتأكيد ذاتها من خلال التتويج بالألقاب بدلا من السعي لتنظيم المسابقات والبطولات على الأقل في الوقت الراهن الذي تحولت فيه الممارسة الرياضية مع الوقت الى أكثر من مجرد لعبة ووسيلة ترفيه، بل وسيلة وغاية في حد ذاتها تساهم في الرفع من معنويات الناس وتكريس تعلقهم بوطنهم بالموازاة مع تراجع أدوار الأسرة والشارع والمسجد والمدرسة لأسباب ذاتية وموضوعية متعددة.
موقف الجزائر من السباق نحو تنظيم نهائيات كأس أمم أفريقيا حمل رسالة واضحة أعلنها رئيس الاتحاد الجزائري المنتخب حديثا ، تفيد بتوجه الجزائر نحو اعادة ترتيب البيت الكروي الذي تصدع على مدى سنوات بفعل ممارسات مشبوهة وأخرى بعيدة عن مقتضيات العصر، لم تقتصر على الكرة ، بل شملت كل الرياضات الفردية والجماعية التي تراجعت بدورها ، في وقت استمر التركيز على كرة القدم، بل على المنتخب الأول لسنوات طويلة دون أن ينعكس ذلك بالإيجاب على باقي المنتخبات والأندية ، وعلى كل المنظومة الكروية التي استهلكت أربع رؤساء اتحادات في ثلاث سنوات وهم خير الدين زطشي، شرف الدين عمارة ، و جهيد زفيزف ، ثم وليد صادي في ثوب رجل مطافئ بحوزته وقت وجيز لمواجهة نيران ملتهبة في أماكن عديدة.
إعادة ترتيب البيت هو عنوان عريض يحمل في طياته عناوين فرعية لا يمكن تجسيدها دون مرافقة من مؤسسات الدولة وتجاوب كل الفاعلين في مجال الكرة، يبدأ من التركيز على الأولويات العاجلة التي تستند على إعادة هيكلة الاتحادية ، و تكييف قوانينها مع قوانين الجمهورية ولوائح الفيفا ، ثم الاهتمام بإعادة هيكلة الرابطة المحترفة، و الرابطات الجهوية والولائية، و إعادة بعث الاحتراف والكرة الهاوية على حد سواء ، اضافة الى اعادة هيكلة المديرية الفنية الوطنية بالموازاة مع الاهتمام بالمنتخب الأول المقبل على تحديات ومواعيد هامة ، كان يتوقف عليها نجاح وفشل رؤساء الاتحاديات السابقين ، لذلك ينتظر من وليد صادي ربح معركة الثقة بينه وبين المدرب جمال بلماضي، واعادة تأهيل مركز سيدي موسى لتحضير المنتخبات الوطنية، وباقي المراكز الجهوية التي تشكل وجع رأس آخر.
ترتيب البيت يقتضي أيضا مرافقة فعالة ومستمرة من السلطات العمومية ، المطالبة بدورها بتركيز جهودها على تسيير و صيانة المرافق الرياضية التي تم تشييدها وإعادة تهيئتها، والمنتظر إنجازها مستقبلا، والتي تشكل أحد مفاتيح النجاح للكرة وكل الرياضات الأخرى التي تعاني بدورها منذ سنوات اهمالا كبيرا ، أدى الى تراجع أعداد الممارسين ونتائجهم ، في زمن تحولت فيه الرياضة الى سياسة و نشاط اقتصادي يستقطب الاستثمارات ، ويساهم في الاستقرار الاجتماعي ، ويقوي اللحمة الوطنية في الأوساط الشعبية ، و زمن تحولت فيه وسائط التواصل الاجتماعي الى وسائل لصناعة الرأي ، لا يجب الاستهانة بها لأنها صارت تؤثر وتتأثر ، تبني وتهدم ، يتم استغلالها والاستثمار فيها من طرف الأفراد والجماعات والمؤسسات والدول لرفع المعنويات أو تحطيمها.
مسؤولية اعادة ترتيب البيت الكروي لا تقتصر على الاتحادية لوحدها، كما أن المأمورية لن تكون سهلة، لكنها ليست صعبة على بلد يملك المقومات و الإمكانيات المادية والبشرية، والاطارات والمواهب التي لم تعد بحاجة الى تنظيم الأحداث الرياضية للفوز بالألقاب والبطولات، بقدر ما هي بحاجة إلى تأطير وتنظيم يمكنها من الاستفادة من كل المرافق التي تم تشييدها لتحسين مستواها و مردودها ، والاستفادة من الدروس التي تلقنها لنا تجاربنا مع بعضنا وغيرنا ، والتي أكدت بما لا يدع أي مجال للشك أن التعويل على الذات هو أهم عوامل النجاح في مجال لم يعد مجرد لعبة عند الغير، وحتى وإن كان ظاهره لعبة فوق الميادين، فإن باطنه ألاعيب يجب علينا أن نتقنها ، أو على الأقل نأخذها بعين الاعتبار في تعاملاتنا في الداخل كما في الخارج مع المؤسسات الرياضية القارية والدولية ..
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 01 أكتوبر 2023