ما فعله ليو ميسي البارحة بالمنتخب الكرواتي يبقى واحداً من أبرز وأجمل محطات مونديال قطر 2022، بتأهله الى النهائي للمرة الثانية في مشواره والسادسة في تاريخ الكرة الأرجنتينية، بعد أن سجل هدفه الخامس في البطولة، ومرر كرة الهدف الثالث، وصار الهداف التاريخي للأرجنتين في نهائيات كأس العالم برصيد أحد عشر هدفا في خمسة وعشرين مباراة، متقدما على غابرييل باتيستوتا، وعادل بالمناسبة الرقم القياسي في عدد التمريرات الحاسمة للاعب أرجنتيني في نهائيات كأس العالم المسجل باسم دييغو مارادونا برصيد ثماني تمريرات حاسمة، من بينها تمريرة الهدف الثالث الذي سجله خوليان ألفاريز بشكل يذكرنا بروائع مارادونا في مونديال 1986، الذي يقترب من انتزاع لقب الفتى الذهبي منه والتربع على عرش الكرة العالمية رسميا إذا توج باللقب الأحد المقبل.
ما حدث البارحة في مواجهة كرواتيا كان استثنائيا في مباراة استحوذ فيها المنتخب الكرواتي على الكرة، من دون أن يتمكن من الوصول لمرمى ايمليانو مارتينيز، قبل أن تنقلب الامور رأسا على عقب في ظرف خمس دقائق من عمر الشوط الأول بفضل ركلة جزاء ميسي، وواحدة من روائع ألفاريز مسجل الهدف الثاني والثالث من هجمتين معاكستين، في سيناريو ينهي عصر الاستحواذ الذي لم يعد علامة تفوق في زمن الكرة الحديثة التي تعتمد على الواقعية والفعالية والنجومية التي تصنع الفارق في أي لحظة مثلما يفعل ليو ميسي في هذا المونديال رغم تقدمه في السن، لكن ذلك لم يمنعه من خطف النجومية من لاعبين مهاريين صغار على قلتهم في هذا الزمن الذي لم يعد ينجب الا قليلا من الموهوبين، كما هو الحال في هذا المونديال الذي كانت فيه الأنظار مسلطة على ميسي ورونالدو ونيمار ولوكا مودريتش وبدرجة أقل مبابي.
ميسي لم يتألق فقط بسبب غياب نجوم جدد، أو بسبب خروج ألمانيا المبكر، والبرازيل والبرتغال في ربع النهائي، بل لأنه ميسي الذي لا يريد مغادرة عالم الكرة من دون تحقيق التاج العالمي قبل انتهاء مشواره الدولي، وتألق لأنه أراد أن يقود بلاده الى قمة المجد مثل مارادونا زمان، ولأنه لا يزال يملك القدرة على صناعة الفارق رغم تقدمه في السن، ورغم الضغوطات الإعلامية والجماهيرية التي يعيشها، والعقدة التي تلازمه بسبب إخفاقه في الفوز بكأس العالم كل مرة، لكن هذه المرة كانت بصمته كبيرة على أداء منتخب بلاده والروح التي يلعب بها زملاؤه، وكأنهم يريدون الفوز بكأس العالم لأجل ميسي، وعيون ميسي، وتاريخ ميسي، لذلك تحلوا بكل هذه الشراسة في الأداء رغم أنهم لم يكونوا الأفضل في مبارياتهم، خاصة بعد خسارتهم امام السعودية في مباراة الافتتاح وفي ثمن النهائي أمام أستراليا، وربع النهائي ضد هولندا.
بلوغ ميسي نهائي كأس العالم زاد من قيمة البطولة وأعطاها نكهة خاصة، وتتويجه بها سيبقى مرتبطا بمونديال قطر وكل الاستثناءات التي تميز بها تنظيميا وفنيا وجماهيريا، ومرتبطة باسم كبير صنع أفراح هواة الكرة العالمية في كل مكان، جعل منهم عشاقا للأرجنتين والبارسا والبياسجي الذين فاز معهم بأربعين لقباً في مشواره الذي ينقص سجله لقبا عالميا يستحقه بجدارة، ليس لأنه ميسي، لكن لأن الأساطير يجب أن يتوجوا بأغلى الكؤوس ويتربعوا على العرش استحقاقا وليس منة من أحد، وعندها سيقال عنه أنه الأفضل في بداية هذه الألفية من جيله الذي كان يزخر بنجوم كبار منهم من توج ومنهم من أخفق، أما إذا خسر في النهائي فسيبقى الراحل دييغو مارادونا هو الملك والفتى الذهبي إلى إشعار آخر لأن ميسي لن يكون بمقدوره التعويض والتتويج سنة 2026.
حفيظ دراجي
القدس العربي 15 ديسمبر 2022