بعد أسابيع قليلة من انضمامه إلى السيتي في الدوري الإنكليزي الممتاز، صار النرويجي إرلينغ هالاند لاعباً غير مرغوب به في بعض الأوساط الكروية في إنكلترا، بعد عريضة نشرها موقع حكومي بريطاني، طالب أكثر من مليوني شخص من خلال التوقيع عليها بإقصائه من المشاركة في البريميير ليغ كونه روبوتاً وليس إنساناً، بسبب المستوى الكبير الذي أظهره، أو كأنه يلعب مع أطفال صغار، دعسهم كلهم، مسجلاً 20 هدفاً في 13 مباراة في جميع المسابقات، من بينها ثلاثة “هاتريك” في ثلاث مباريات متتالية في الدوري الإنكليزي، ستقوده لا محالة إلى تحطيم كل الأرقام، وحصد كل الألقاب الجماعية والجوائز الفردية، في زمن يقترب فيه مشوار ميسي ورونالدو من النهاية، وفي واحد من أفضل الأندية في العالم، يسمح له بالبروز أكثر مما كان عليه في دورتموند الألماني.
ما عدا عشاق السيتي، الذين يعيشون أياماً جميلة مع نجمهم الجديد، فإن هالاند تحوّل إلى هاجس للمنافسين، سواءً كانوا لاعبين أم مدربين، أو حتى مناصرين راحوا يعتبرون اللاعب قادماً من كوكب آخر لا يحق له اللعب مع البشر، فوصفوه بالروبوت، والفايكينغ والغول والوحش والسفاح، وهي كلها أوصاف تصدّرت عناوين الصحف والمجلات والمواقع، وحتى حسابات الجماهير على وسائل التواصل الاجتماعي، التي راحت تتساءل أيضاً عن المدى الذي يبلغه توهُّج اللاعب الذي تسير معه الأمور بسرعة كبيرة في ظرف وجيز، ما يؤهله لتحقيق ما لم يقدر عليه رونالدو وميسي، خاصة بعد أن سجّل 175 هدفاً في كل الفرق التي لعب لها، وهو لم يتجاوز الـ22 من العمر، ويؤهله لتحطيم أرقام قياسية، كنا نعتقد بأن لا أحد بإمكانه الاقتراب منها على الأقل في العصر الحالي.
الأكيد أن الرجل صار يُشكّل في أعين الناس أفضل صفقة في تاريخ البريميير ليغ، من حيث المردود الفني الذي فاق كل التوقعات، ومن حيث المداخيل المرتقبة التي لا تُقارَن، قد تصل إلى 50 مليون يورو سنوياً، براتب أسبوعي يقارب المليون، إضافة إلى علاوات ومكافآت تسجيل الأهداف وتحقيق الانتصارات والألقاب مع فريقه، رغم أن مبلغ انتقاله لم يتجاوز الستين مليون يورو، مقارنة بصفقات أخرى تفوّقت عليه من حيث القيمة المالية، على غرار انتقال البرازيلي أنتوني إلى المان يونايتد بـ86 مليوناً، والمدافع الفرنسي ويسلي فوفانا إلى تشيلسي بـ72 مليوناً، وكذا الأوروغواياني داروين نونييز، الذي انضم إلى ليفربول مقابل 68 مليوناً، دون أن ننسى صفقة انتقال كاسيميرو من الريال إلى المان يونايتد بـ63 مليون يورو.
هالاند لا يدخل حتى ضمن أكبر 10 صفقات للمهاجمين في تاريخ الكرة، التي يبقى يتصدرها نيمار بـ222 مليوناً، عندما انتقل من البارسا إلى سان جيرمان، ومبابيه بـ145 مليوناً إلى الفريق عينه قادماً من موناكو، إضافة إلى ديمبلي، وجواو فيليكس، وغريزمان، وغريليش، ورونالدو الذي انتقل من المان يونايتد إلى الريال عام 2009 مقابل 117 مليون يورو، لكن بعد الذي فعله “الروبوت” مع السيتي منذ بداية الموسم، صار خارج كل الحسابات والأرقام، لا يُباع ولا يُشترى، لأنه لا يُقدّر بثمن، ولا يقدر على شرائه أي فريق حالياً، في سابقة فريدة من نوعها في عالم الكرة، يريد غوارديولا الاستثمار فيها لمواصلة الهيمنة على الكرة الإنكليزية، والتتويج بلقب دوري الأبطال الذي لم يقدر على الفوز به في عهد أغويرو ورحيم ستيرلينغ وغابرييل جيسوس.
الجماهير البريطانية المصدومة لم تتوقف عند توقيع عريضة احتجاج، بل تُخطط لرفع عريضة إلى البرلمان البريطاني، للمطالبة بإيقاف من وُصف أيضاً بتسونامي الكرة الحديثة، الكاسح والجلاد، الذي يعتبره البعض الآخر نسخة مُطوّرة من السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، لا يُشبهه أحد من النجوم الحاليين على غرار مبابيه، ونيمار وليفاندوفسكي، سيفوز بلقب هداف الدوري المحلي ودوري الأبطال، والحذاء الذهبي الأوروبي، وربّما أفضل لاعب في العالم لسنوات مقبلة، رغم غيابه مع منتخب بلاده النرويج عن نهائيات كأس العالم 2022، وعن مسرح المسابقات القارية والدولية للمنتخبات، لكنه يظل هاجساً يُشبه بطل سلسلة الرسوم المتحركة “كابتن ماجد”، الهدّاف الأسطوري الذي شكّل أحلام الطفولة في كل بيوت العالم نهاية القرن الماضي.
حفيظ دراجي
مجلة سوبر 1 11 أكتوبر 2022