hafid derradji

التعصب للدين والوطن والشرف أولى منه للكرة!

مجريات كأس أمم أفريقيا في الكاميرون وقبلها  كأس العرب 2021 في قطر كشفت مجددا عن حجم التعصب الكبير والخطير في الأوساط الإعلامية والجماهيرية العربية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بين الجماهير والإعلاميين وحتى اللاعبين والفنيين بسبب مواجهات كروية عربية توصف بالدربيات، دارت حولها نقاشات متخلفة بمستوى أخلاقي متدن، زادت من حدة الاحتقان والتشنج والعداء بين الناس قبل المواجهات الكروية وبعدها لأسباب يصعب فهمها في مجال رياضي كان من المفروض أن يمنح المتعة والفرجة والفرحة، وليس العداوة والكراهية والحقد بين الشعوب التي راحت ضحية خلافات سياسية تاريخية أحيانا، أو تراكمات اجتماعية وعقد نفسية نفخت فيها وسائل الإعلام بشكل أكبر هذه المرة وتجاوز حدود المعقول وحدود لعبة كرة القدم التي تحولت إلى وسيلة لإثبات الذات في زمن الفشل المتفشي في كل مجالات الحياة الأخرى، ما يقتضي وقفة جماعية لإنقاذ ما يمكن انقاذه في أوساط مجتمعاتنا.


طبيعي جدا أن يكون التنافس الرياضي على الألقاب والبطولات بين الفرق والمنتخبات العربية، وطبيعي أن يتحمس المناصرون لمنتخباتهم وأنديتهم، ويعبرون عن فرحتهم بالفوز، وأسفهم على الخسارة، لكن أن يصل الأمر الى درجة الحقد والكراهية والتنمر، والتراشق بين الاعلاميين والفنيين في وسائل الإعلام، وبين الجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا الذي لا يمكن قبوله أو حتى السكوت عنه. فمباريات الكرة والمواجهات الكلاسيكية والتقليدية التي تصنف ضمن خانة الدربيات في العالم، لم تكن أبدا موعدا للحقد، لكن التعصب الأعمى عندنا حولها الى مواعيد مثيرة للاستفزاز والاشمئزاز، حتى تلك التي تدعو الى ضرورة التعاطف بين جماهير المنتخبات العربية لمناصرة منتخب عربي على آخر بحجة الانتماء، ومن لا يفعل ذلك يصنف ضمن خانة العدو، وهو الذي لا يحدث سوى عندنا للأسف.


خلال بطولة كأس العرب 2021 حاولت قطر أن تجعل من الحدث عرسا لكل الجماهير العربية من دون استثناء، وحاولت كل المنتخبات أن تفوز وتتوج وتثبت أنها الأحسن كروياً، وهذا هو الطبيعي والعادي في أي منافسة رياضية، لكن مع مرور الوقت وبلوغ أدوار خروج المغلوب في البطولة، زادت أهمية المباريات وارتفع مستوى الشحن الإعلامي، لترتفع معه درجة التعصب والتشنج بين الجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي، ويكشف كل طرف عن حقده الدفين اتجاه الآخر وقدراته الرهيبة في فن التمثيل والكذب والخداع الذي يمارسه في معاملاته، رغم أن لا أحد مطالباً بأن ينافق الآخر في مجال الكرة أو حتى في مجالات أخرى، ويدعي المثالية في التعامل مع الفوز والخسارة.


أما في كأس أمم إفريقيا التي احتضنتها الكاميرون فقد زاد الاحتقان بين الجماهير العربية التي لم تلتق منتخباتها سوى في مواجهة واحدة جمعت بين مصر والمغرب، لكن الكثير كان يتمنى خسارة الآخر وكان يفرح لاقصاء الأخر في سيناريو تعودت عليه الكثير من الجماهير العربية على مستوى الأندية المحلية عندما تتمنى خسارة بعضها بعضا في المسابقات القارية، وهي سلوكيات متناقضة مع ما يريده البعض، وما يدعيه البعض الآخر على مستوى المنتخبات في المسابقات الدولية التي تقتضي من كل واحد أن يحب الفوز لمنتخبه من دون مزايدة أو نفاق، رغم أن هذه السلوكيات لا تنفي وجود جماهير محترمة، تحترم غيرها، لها الحق في التعاطف مع أي منتخب حتى ولو لعب أمام منافس عربي. لا، التعاطف عندهم يقوم على أسس كروية وفنية بحتة، تجعل من المناصر الجزائري لنادي ليفربول يتمنى فوز مصر على المغرب بسبب صلاح، وتجعل من المناصر التونسي لتشلسي يتمنى فوز المغرب على مصر بسبب عشقه لحكيم زياش مثلا.


الوضع ينذر بتداعيات خطيرة على العقول والنفوس والقلوب، تجعل من المتابع لنقاشاتنا في وسائل الاعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي يسخر من مستوى أخلاقنا وتفكيرنا وتعاملنا مع الكرة الذي يطبعه تعصب كان يمكن أن يكون مفيداً وضرورياً لو كان للدين والوطن والشرف، وليس لمجرد لعبة!

حفيظ دراجي

القدس العربي 10 فبراير 2022

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل