hafid derradji

إلى أي مدى سيصل رونالدو؟

المباراة الأولى لكريستيانو رونالدو مع فريقه الجديد القديم مانشستر يونايتد أمام نيوكاسل في الجولة الرابعة من الدوري الإنكليزي الممتاز، صنعت الحدث في وسائل الإعلام البريطانية والعالمية، وفجرت وسائل التواصل الاجتماعي بعدما دشن عودته بتسجيل هدفين من الأربعة، وأعادت الى الواجهة ظاهرة كروية عالمية، كان يعتقد البعض أنه يقترب من النهاية كلما تقدم في السن، لكنه في الحقيقة يكبر أكثر في أعين عشاق الكرة، ويصغر في السن كلما خاض تحدياً جديد بنفس الإصرار والعزيمة واللياقة والمهارة والحس التهديفي، وهي المقومات التي سمحت له بالتألق في الريال واليوفي لسنوات، وسمحت له بالعودة إلى مسرح الأحلام لتحقيق أحلام أخرى في المان يونايتد بعد اثني عشر عاما عن رحيله في سنة 2009، ليس من أجل إنهاء مشواره في المان ولكن من أجل اعادة بعثه مجددا من دون أدنى اعتبار لعامل السن الذي صار مجرد رقم ما دام في القلب نبض وفي العقل فكر وفي الجسد نفس.


أمام نيوكاسل في “أولد ترافورد” لم يكتف رونالدو بصناعة “الشو” الاعلامي عند تدشين عودته، بل زينها بهدفين سجلهما لفريقه، جعل العالم كله يشيد به ويتحدث عن عودته الموفقة، ثم هدفا آخر في افتتاح دوري الأبطال أمام يانغ بويز السويسري رغم الخسارة التي لم تمنع المتابعين من الاشادة به، ليدخل بسرعة في أجواء المان والبريميرليغ ودوري الأبطال من دون الحاجة الى فترة تأقلم وانسجام مع زملائه الجدد، مؤكدا قوته الذهنية والبدنية والفنية التي تؤهله لاعادة صناعة تاريخ الفريق الذي فتح له أبواب الشهرة قبل ثمانية عشر عاما، ومواصلة هواية تسجيل الأهداف وتحقيق الألقاب الفردية والجماعية لموسمين على الأقل مع المان يونايتد، وربما أكثر لأنه لا يبدو عليه أنه سيتراجع أو يتوقف قبل سن الأربعين.


عادة عندما يتجاوز المهاجم سن الثلاثين يبدأ مستواه في الانخفاض وتتراجع لياقته ومردوده، خاصة مع كثرة المباريات والإصابات وارتفاع حدة ومستوى المنافسات، لكن مع رونالدو يبدو أن العكس هو الذي يحدث، سواء على مستوى المنتخب حيث صار الهداف التاريخي، أو على مستوى الأندية التي لعب لها في وجود نجوم كبار استمر في منافستهم على الألقاب والجوائز الفردية والأرقام القياسية التي يحطمها كل يوم، ليس فقط بفضل مهاراته وحسه التهديفي، بل بفضل شغفه وانضباطه في التدريبات وعطائه في المباريات، وبفضل نمط حياته الشخصية والأسرية المستقرة رغم مغامراته الناتجة عن نجوميته الجارفة، لكنه كان دائما فوق ميادين الكرة رمزا للمثابرة والإصرار على التميز والتألق دوما، حتى أنه عندما شعر بأن اليوفي لم يعد يناسبه ويحقق طموحاته، أصر على الرحيل الى دوري أقوى وأفضل وأكثر اثارة ليؤكد أنه لم ينته، ولا يزال جائعاً وعطشاً ويريد المزيد.


الانتقال من الريال الى اليوفي كان مغامرة في نظر الكثير، والعودة الى المان يونايتد اعتبره البعض جنونا لأن الرجل بلغ من العمر عتية، والكرة في إنكلترا أسرع وأقوى، وفيها من نجوم الجيل الصاعد ما يمنعه من التألق مجددا، ويجعله لاعبا عاديا لا يقدر على منافستهم، لكن ما حدث كان استثنائيا، حيث صار القميص رقم سبعة الأكثر مبيعا في ظرف وجيز، وصار صاحبه على كل لسان وفي الصفحات الأولى لكل الجرائد العالمية، خطف الأضواء من بوغبا وراشفورد وبرونو فيرنانديش، وجعل من انضمام رافاييل فاران وجادون سانشو مجرد صفقتين عاديتين رغم ما أنفق من أجلهما من أموال فاقت 130 مليون يورو مقابل 30 مليوناً في صفقة رونالدو التي دعمت خزينة الفريق بإيرادات مالية فاقت المئة مليون في ظرف أيام، وأعادت المان يونايتد الى الواجهة المحلية والأوروبية التي تليق به.


قبل اليوم كان حراس المرمى على غرار جيجي بوفون مثلا، والمدافعون أمثال بيبي البرتغالي وبعض لاعبي الوسط مثل مودريتش، والمهاجمون من حجم ابراهيموفيتش، يشكلون الاستثناء بمواصلة اللعب في المستوى العالي، لكن من يخطف الأضواء مثل رونالدو، ويتألقون ويصنعون الحدث ويرفعون التحديات على مشارف الأربعين قلة لا تتكرر كل مرة، لذلك تصنف ضمن خانة الظواهر الكروية العالمية على غرار بيليه ومارادونا وميسي.

حفيظ دراجي

القدس العربي 16 سبتمبر 2021

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل