hafid derradji

الداخل الفلسطيني ينتصر للشيخ جراح والمسجد الأقصى

مرة أخرى يصنع الشعب الفلسطيني (لوحده) أروع قيم البطولة والشهامة والعزة والكرامة والكبرياء والصبر في واحدة من أجمل صور المقاومة التي انطلقت هذه المرة من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، ثم توسعت إلى باحة المسجد الأقصى، رداً على سلطات الاحتلال التي استأنفت عمليات التهويد والتهجير والاستيلاء على مساكن الفلسطينيين، ما أدى إلى انتفاضة عارمة في القدس وغزة والضفة وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة التي ضحت مجدداً بأكثر من 200 شهيداً من بينهم 60 طفلاً و38 امرأة وأكثر من ألف جريح إثر غارات إسرائيلية خلفت رعباً ودماراً في الداخل، وتضامناً دولياً في الخارج، مقابل خنوع عربي رسمي وتحول تاريخي في الصراع الفلسطيني مع المحتل الصهيوني، أصبحت فيه كل المدن والقرى الفلسطينية ساحة معركة في مواجهة آلة القتل والقمع والبطش، وهب كل الشعب الفلسطيني للدفاع عن قدسه وكرامته.

 لقد وحد حي الشيخ جراح وبيت المقدس كل الداخل الشعبي الفلسطيني الذي انتفض دفاعاً عن سكان الحي والقدس الشرقية وكل الأراضي الفلسطينية وشعبها، مقابل جبن عربي رسمي لم يتجرأ حتى على استعمال مصطلح اعتداءات في بياناته المحتشمة التي اكتفى فيها بالتنديد بما سماه المواجهات العنيفة، وكأنها تجري بين قوتين متكافئتين في العدة والتعداد، وليست جرائم يرتكبها محتل معتد ضد شعب أعزل محروم من الهواء والماء والكهرباء، يدافع عن نفسه، ويسعى إلى تحرير أراضيه واستعادة سيادته وكرامته، لكن من لا يعرف معنى الشرف والعزة يعتقد أن الرد الفلسطيني على الاعتداءات هو عنف وإرهاب، وليس شهامة ورجولة، ويعتبر من طبعوا مع الكيان الظالم قد فعلوا من أجل السلام وإيقاف ممارسات التهويد والتهجير وبناء المستوطنات، والظلم والعدوان، وبعدها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي لن تقوم إلا بتضحيات أبنائها!

الشعوب العربية المغلوبة على أمرها كانت من جهتها وفية لقيمها وقضيتها من خلال تجاوبها بفضح الممارسات الوحشية للمحتل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال خروجها في العديد من المدن العربية في مسيرات صاخبة منذ الجمعة في وقت انكمشت فيه جيوش التطبيع الإلكترونية أمام زخم التفاعل العالمي الذي تحالف مع تفاعل المسلمين في كل بلاد العالم، وتضامن مع شعب فلسطيني يتعرض لحرب إبادة وكل أشكال العنف والتمييز العنصري من جهة، ويتعرض لخذلان الأنظمة العربية من جهة أخرى، والتي راح بعضها يندد برد الفعل الفلسطيني ويبرر أفعال المعتدي التي اعتبرها حقاً شرعياً في الدفاع عن النفس في سيناريو جديد منذ تزايد حجم التطبيع الذي تبين أنه أساء إلى الكيان المحتل أكثر مما خدمه، في ظل تزايد مشاعر كراهية الشعوب العربية لأنظمتها المطبعة وانفراد الشعب الفلسطيني بقرار تقرير مصيره دون وصاية من أحد.    

لقد أدرك الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة أن التطبيع مع أنظمة تفتقد للشرعية والشعبية لن يحقق له الأمن المنشود، لذلك لجأ إلى الحل الأمني والعسكري الذي راح ينتهجه المستوطنون من جهتهم باعتداءاتهم الهمجية على الفلسطينيين في كل البلدات الفلسطينية المحتلة ضمن حرب شاملة تنم عن حقد أعمى وكراهية مقيتة لكل ما هو عربي مسلم، رغم اعتراف بعض المستوطنين الإسرائيليين بأن اقتحام المسجد الأقصى في هذا الظرف بالذات كان خطأ جسيما استفز شعباً مؤمناً بأنه على حق في مواجهة سلطات احتلال وجدت نفسها تقاوم صاروخاً فلسطيني الصنع تكلفته لا تتعدى 500 دولار بصاروخ أمريكي تفوق قيمته 50 ألف دولار، على حد تعبير أحدهم، ووجدت نفسها أمام انتفاضة جديدة لن توقفها الأنظمة العربية الذليلة ولا حتى أمريكا بقوتها ونفوذها وهيمنتها.

الإدارة الأمريكية الجديدة، كعادة كل الإدارات المتعاقبة، اكتفت بالتعبير عن أسفها لسقوط ضحايا من الجانبين، لكنها وقفت مع حليفتها وضد الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن لمناقشة التطورات الخطيرة في فلسطين، ودعت إلى معاملة سكان الشيخ جراح باحترام، ما يعني طردهم من مساكنهم بهدوء حتى ولو تمت معاملتهم “بالحسنى” دون إهانة أو تعنيف، علماً أن الإهانة الكبرى في كل قواميس العالم هي أن تطرد من مسكنك وبلدك، والمقاربة الغريبة أن تطالب من يدافع عن نفسه بالتوقف عن المقاومة، وتبرر همجية المحتل بأنها دفاع شرعي عن النفس، وترفع شعار حل الدولتين لتحقيق السلام، لكن الحقيقة أنك تدعو ضمنياً لحل الدولة الفلسطينية وتشريد شعبها وغرس كيان حليف في قلب البلاد العربية، يمارس دور الدركي في المنطقة. 

الشعب الفلسطيني من جهته أثبت أكثر من أي وقت مضى أنه لا يثق في أمريكا ولا في الأنظمة العربية، لن يستسلم ولن يعول إلا على نفسه، وبأنه هو شرف الأمة العربية والإسلامية وخط دفاعها الأول الذي سيحرر الأرض ويحقق النصر بمقاومته الباسلة التي نقلت الرعب إلى الجهة الأخرى بضرباتها المتتالية التي هزت عرش الاحتلال وأدخلت في نفوس المستوطنين رعباً لم يسبق له مثيل، سيغير الكثير من المعطيات على أرض الواقع  يقنع اليائسين من تحرير القدس بأن وعد الله سيتحقق، وتضحيات الشهداء ستثمر انتصارات جديدة، رغم الخسائر في الأرواح والممتلكات والبنايات في غزة وكل المدن الفلسطينية التي تتعرض لقصف عنيف، ينم عن ارتباك وتخبط كبيرين لدى سلطات الاحتلال ومن يقف معها، والساكت عن جرائمها.     

ما يفعله الصهاينة بأبناء شعبنا ليس جديداً ولا يحزننا؛ لأنه صادر عن عدو أبدي سيبقى إلى يوم الدين،  لكن تبريرات من يحسبون على العرب والمسلمين هي المخزية والمخيبة والمؤسفة التي لن تغير في موازين معادلة يبقى طرفها الأساسي هو الشعب الفلسطيني في الداخل الذي أكد مجدداً أنه هو الحلقة المهمة في الحرب والسلام وليس المطبعين ولا أمريكا ولا حتى إسرائيل ومن يقف معها، وأنه لا سلام من دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا انتصار دون تضحيات فاقت 120 ألف شهيد منذ بداية الاحتلال.

حفيظ دراجي

عرب بوست 18 مايو 2021

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل