المتابع للمشهد الكروي الحالي في الجزائر يقف عند مفارقة غريبة تميز كرة القدم الجزائرية عن نظيراتها في افريقيا والوطن العربي، من خلال بلوغ منتخبها قمة المجد صيف 2019 عندما توج بكأس أمم أفريقيا وحقق أطول سلسلة مباريات من دون خسارة، بفضل مدرب محترف صنع الفارق مع لاعبين مميزين رفعوا واحدا من أكبر تحديات بداية الألفية في ظرف وجيز وبشكل رائع ومتميز خطف كل الأنظار، في وقت يستمر الاتحاد الجزائري في تكرار مسلسل مهازله في التنظيم والتسيير والتقدير، ما يؤكد أن جمال بلماضي تمكن من إخراج المنتخب الجزائري من وحل الرداءة المتفشية، وتمكن في نفس الوقت من إنقاذ الاتحاد الجزائري من رحيل كان سيكون حتميا لو لم يشفع له التتويج القاري الذي لم يعرف كيف يستثمر فيه ويحقق مزيدا من الانجازات في كل المجالات.
الاتحاد الهاوي لكرة القدم كما يصفه الملاحظون، لم يكن في المستوى الذي بلغه منتخب جمال بلماضي في منافسته للمنتخبات الافريقية فوق ميادين الكرة، بعد فشله في منافسة مرشحي المغرب ومصر على منصب مجلس الفيفا، وفشله في تسييره للشأن الكروي المحلي، وفي تعامله مع الهيئات الإفريقية الأخرى التي ساءت علاقاته بأغلبيتها، من دون أن نغفل تدهور علاقته مع السلطات العمومية في الجزائر التي يستمر في تحديها من خلال رفضه عقد جمعية عمومية عادية وأخرى انتخابية قبل تنظيم جمعية عمومية استثنائية لتغيير اللوائح والقانون الداخلي بدعوى تكييفها مع لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم، علما أن العهدة الانتخابية ستنتهي رسميا بعد غد، وعندها ستضطر الوزارة الى سحب التفويض وتكليف لجنة مؤقتة بتنظيم الجمعية العامة الانتخابية طبقا لقانون الرياضة الجزائري.
الاتحاد الهاوي لكرة القدم أراد استعمال المنتخب الجزائري رهينة في صراعه مع الوزارة من خلال تمرير رسائل مفادها أن المنتخب الأول مقبل على مواعيد مهمة تقتضي استمراره، وبأن بلماضي سيرحل في حال رحيل المكتب الفيدرالي الحالي، رغم أن الرجل لم يكن من أولوياته في بداية عهدته، بل وصفه في اجتماع مع أعضاء مكتبه بمدرب كرتوني لا يليق بالمنتخب، قبل أن تفرضه جماهير الكرة ووسائل الإعلام خلفا لماجر، كما راح يسوق لمؤامرة تحاك ضده من طرف معارضيه ويهدد برفع دعوى قضائية ضد وزارة الشباب والرياضة، في محاولة أخرى للتغطية على المؤامرة الكبرى التي قادته إلى ترأس الاتحاد الجزائري سنة 2017، بأمر من السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المخلوع، وتخطيط من رجل الأعمال المسجون علي حداد، وتنفيذ وزير الشباب والرياضة الأسبق الهادي ولد علي وجماعة الرئيس التي كانت تنصب رجالها في كل المواقع.
وسائل الإعلام في الجزائر أجمعت على أن المؤامرة الحقيقية حدثت في 2017 ويجب تصحيحها، ومن ثم محو أثار كل المؤامرات الأخرى التي وقعت خلال العهدة الانتخابية، بداية من الوعود الكاذبة التي أطلقها المكتب الفيدرالي ببناء 4 مراكز تكوين لم يتم انجاز أي منها، واكتفى بإعادة ترميم مراكز تابعة لوزارة الشباب والرياضة، تم التسويق لها على أنها إنجازات. استمرت المؤامرات بعد ذلك بتعيين فضيل تيكانوين مدرباً تمت تنحيته وتعويضه برابح سعدان الذي اضطر لتقديم استقالته بعد بضعة شهور، ثم تعيين الإسباني لوكاس ألكاريز مدربا للمنتخب الجزائري قبل إقالته مقابل دفع تعويضات فاقت المليون يورو، قبل أن يتم تعيين رابح ماجر الذي لم يكمل بدوره سنة واحدة على رأس المنتخب الجزائري، لتتم إقالته تحت ضغط جماهيري كبير فرض جمال بلماضي مدربا فكانت النتيجة التتويج باللقب القاري في القاهرة.
مهازل الاتحاد الجزائري في عهد الرئيس خير الدين زتطشي لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدتها الى سوء تسيير حرم الجزائر من مداخيل مالية كبيرة بسبب تضييع عقود إشهار كبيرة مع الممولين واللجوء إلى وسيط للتعاقد مع شركة أديداس، لتختتم سلسلة المؤامرات بالترشح لعضوية مجلس الفيفا ثم الانسحاب في آخر لحظة، فكان بمثابة الإخفاق الثالث بعد الفشل في ارسال ملف ترشح عضو المكتب الفيدرالي بشير ولد زميرلي سنة 2017، وفشل العضو الآخر عمار بهلول في الفوز بمقعد المكتب التنفيذي للكاف سنة 2019.
وسائل الإعلام والجماهير الجزائرية تعتبر استمرار المكتب الفيدرالي الحالي بمثابة تهديد لمستقبل المنتخب الجزائري عشية انطلاق تصفيات كأس العالم 2022، ويشكل تهديدا للاستقرار في ظل حراك مستمر يطالب بالتغيير، لذلك راحت تطالب بتدخل السلطات العمومية لفرض احترام القوانين التي يدوس عليها رئيس الاتحاد برفض عقد جمعية عامة انتخابية قبل يومين من انتهاء عهدته الانتخابية.
حفيظ دراجي
القدس العربي 18 مارس 2021