التصريح للاسباني بيب غوارديولا مدرب المان سيتي بعدما حقق فوزه الحادي والعشرين على التوالي في جميع المسابقات أمام ولفرهامبتون في الدوري الانكليزي، مذكرا بأن المان يونايتد والبارسا والريال كانوا يفوزون ويتوجون لما كانوا يملكون الأموال وينفقون من أجل انتداب أفضل لاعبي العالم، وهو الذي فعله المان سيتي على مدى عقدين من الزمن عندما أنفق أكثر من ملياري يورو، من بينها أكثر من 500 مليون منذ التحاق غوارديولا بالفريق، ما سمح له بتحقيق لقب الدوري مرتين متتاليتين وكأس إنكلترا وثلاث كؤوس للرابطة إضافة الى ألقاب أخرى تحققت منذ دخول الاستثمارات الإماراتية رأسمال النادي، ما يؤكد ما ذهب إليه المدرب الاسباني الذي صار يملك منتخبا وليس مجرد فريق يجمع خيرة لاعبي العالم وبأعداد مضاعفة سمحت له بانتهاج سياسة المداورة لمواجهة كثرة المباريات وضغط المنافسات.
غوارديولا الذي حقق انتصاره الـ200 مع السيتي الأسبوع الماضي، يستثمر في توفير الموارد المالية ويطالب ادارته بمزيد من الانفاق لانتداب نجوم آخرين، على رأسهم مهاجم بوروسيا دورتموند النرويجي ايرلينغ هالاند الذي يطالب السيتي بمبلغ 90 مليون يورو مقابل عقد مدته خمسة أعوام، ولن يتردد في استقدام ليو ميسي مهما كلفه ذلك، بدون نسيان جهوده مع مدافع البايرن ديفيد آلابا رغم ترسانة المدافعين الذين يملكهم، لكنه يريد المزيد من النجوم، خاصة بعدما أظهر قدرات كبيرة في تسييرهم واقناعهم بالجلوس في كرسي الاحتياط ليسمح للجميع بالمشاركة بدون أن تحدث مشاكل في غرف الملابس، وهنا يصنع غوارديولا الفارق مع مدربين آخرين لا يقدرون على مواجهة النجوم وتسييرهم.
تصريحات غوارديولا بأن الفرق التي تدفع هي التي تفوز، أكد مع الوقت بأن توافر المال بين يدي مدرب متمكن مهم جدا في تحقيق الإنجازات، وهو نفس الأمر الذي حدث لذات المدرب مع برشلونة برفقة نجوم كبار فاز معهم بكل شيء، وفعله في البايرن رغم اخفاقه معه في الفوز بدوري الأبطال، وهو نفس الأمر الذي فعله أيضا زيدان وقبله فيسنتي دل بوسكي مع الريال وفعله المان يونايتد مع أليكس فيرغسون، في وقت لم ينجح مدربون كبار مع أندية كبيرة كانت تملك الأموال والنجوم لكنها لم تحسن اختيار اللاعبين والمدربين المناسبين، ولم تنجح أندية أخرى أشرف عليها مدربون كبار، لكنها لم تكن تملك المال لانتداب لاعبين كبار، ما يعني أن الفارق يصنعه المال الذي يسمح بانتداب النجوم، ويصنعه المدرب اللائق الذي يحسن توظيفهم.
مقابل ذلك فشلت أندية كثيرة ثرية في العالم لأنها لم تجد المدرب الملائم، ولم تسلم من التغييرات التي يحدثها ملاك الأندية على غرار رومان أبراموفيتش الذي أنفق في تشلسي المليارات على مدى سبعة عشر عاما، لكنه أخفق بسبب المجازر التي أحدثها على مستوى المدربين رغم تتويجه بدوري الأبطال سنة 2012 بفضل نجوم كبار، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على عديد الأندية العربية التي تملك المال ولا تملك حسن التدبير والتسيير، وتعاني من تدخلات ملاكها والمشرفين عليها في الشؤون الفنية للمدربين، وتدخلها حتى في انتداب اللاعبين الذي يخضع لدى رؤساء الأندية لمعايير ذاتية بعيدة عن الحاجيات الفنية للمدربين.
الأمثلة التي تؤكد كلام غوارديولا كثيرة لكنها ليست قاعدة عامة، والأموال لوحدها لا تضمن الفوز والتتويج بالألقاب بدون مدربين أكفاء يختارون اللاعبين المناسبين ويحسنون تسيير غرف الملابس وكرسي الاحتياط والجانب الفني أثناء المباريات ومختلف المسابقات، لكن بالمقابل فان اعتراف غوارديولا لا يلغي بصمة المدربين ودورهم الكبير في تحقيق النتائج اذا توفر الحد الأدنى من المال، والحد الأدنى من اللاعبين المتميزين في المستوى العالي، وتوفر نفس الاستقرار الذي كان في صالح غوارديولا في البارسا والبايرن والسيتي، ما سمح له ببلوغ الانتصار رقم 500 في المستوى العالي وجعله أحد أفضل المدربين في العالم حاليا، وجعل من السيتي رقما مهما في معادلة الدوري الانكليزي ودوري الأبطال المرشح الأول للفوز به هذا الموسم برفقة حامل اللقب بايرن ميونيخ.
نظريا من يدفع أكثر لن يفوز في كرة القدم فقط، بل في كل المجالات عندما يقترن بإنفاق في محله يستجيب لتطلعات القائد المشرف الذي يكون بدوره قادرا على تسيير القدرات التي يتوفر عليها في ظروف مريحة، يملك فيها كل الصلاحيات لتجسيد أفكاره ومشاريعه في إطار منظومة متكاملة ينخرط فيها الجميع، وإلا سيتحول المال الى نقمة وليس نعمة كما هو مع غوارديولا.
حفيظ دراجي
القدس العربي 4 مارس 2021