سقط قرار الفيفا باستبعاد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم خير الدين زتشي من سباق الترشح لمجلسها التنفيذي، كالصاعقة على مرشح الجزائر ومحيطه ووسائل الإعلام الجزائرية ووسائل التواصل الاجتماعي التي كتبت وعلقت وحللت وتكهنت بمصير مماثل في انتخابات الاتحاد الجزائري المقررة في مارس/آذار المقبل، والتي قد تدفع الرئيس المنتهية ولايته الى رمي منشفة الانسحاب من سباق الترشح لعهدة ثانية، أو تدفع السلطات العمومية في الجزائر الى منعه من الترشح بدورها، وربما معاقبته بعد سلسلة الفضائح التي ميزت عهدته الانتخابية في تسيير الشأن الكروي، وأخطاء استراتيجية ارتكبها، وحتى سياسية ودبلوماسية، خاصة عندما اعتبر انتخابات مجلس الفيفا بمثابة امتداد لحرب دبلوماسية بين الجزائر والمغرب، كان سيخسرها لا محالة لو قبل الفيفا ترشحه أمام المغربي فوزي لقجع والمصري هاني أبو ريدة.
قرار الفيفا برفض ترشح زتشي لعضوية مجلس الفيفا يعود بالأساس الى عقوبة الإقصاء لمدة ستة شهور التي سلطها عليه الاتحاد الافريقي لكرة القدم سنة 2018 عندما أساء الى الأمين العام الأسبق للهيئة القارية ورئيسها آنذاك الملغاشي أحمد أحمد، وقبلها عقوبة الرابطة المحترفة في الجزائر سنة 2016، وهو الذي كان يعلمه رئيس الاتحاد الجزائري، لذلك لم يترشح لعضوية اللجنة التنفيذية للكاف سنة 2019 في مصر، خوفا من رفض ترشحه بسبب عقوبة لا تسقط بالتقادم سوى بعد خمس سنوات وتمنعه من الترشح لأي منصب في الهيئات القارية والدولية، لكنه راح يسوق عن طريق محيطه في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لعلاقات وطيدة بينه وبين جاني انفانتينو، ويسوق لعقوبات سيفرضها الفيفا على منافسيه، تسمح له بالتواجد في مجلس الفيفا، بدون أن يدرك أن الترشح لا يدار في بلاتوهات التلفزيون أو من خلال التقاط الصور مع إنفانتينو في بهو الفنادق.
أغلب الظن أن جماعة أحمد أحمد التي انتقدها زتشي علنا في الفترة الأخيرة وراح يتباهى بذلك، هي التي انتقمت منه بالكشف عن العقوبة المسلطة عليه سنة 2018 بعدما تهكم عليها في كل خرجاته، بدون أن يدرك أن خيوط العنكبوت ستلتف حول رقبته وتثأر منه على طريقتها، في وقت راحت أوساط مقربة منه تتهم أطرافاً جزائرية بالتآمر عليه من خلال الكشف عن العقوبة التي سلطت عليه سنة 2016 من الرابطة الجزائرية المحترفة عندما كان رئيسا لنادي بارادو، علما أن الفيفا منعه من الترشح كرئيس للاتحاد الجزائري وليس كرئيس لفريق جزائري، وهو لم يسبق أن تعرض مرشح جزائري له من قبل، ولم يسبق لرئيس اتحاد جزائري أن تعرض لعقوبة الإقصاء رغم كل الفضائح التي شهدتها الكرة العالمية في الفترة الماضية، وأسقطت الكثير من الرؤوس، وكانت فيها الجزائر بعيدة عن كل الشبهات.
الكثير من المتابعين يعتقدون أن رفض ترشح من كان يعتبر نفسه مرشح الجزائر، يعتبر هدية ثمينة من هيئة إنفانتينو التي أنقذت خير الدين زتشي من فضيحة خسارة مذلة في انتخابات عضوية مجلس الفيفا لأنه كان سيخسرها لا محالة أمام مرشحين يملكان في الهيئة الافريقية نفوذا ورصيدا وحنكة وخبرة، وكل المقومات الذاتية للظفر بالمنصب بدون أن يورطا دبلوماسية بلديهما في معركة رياضية بحتة أعطى لها رئيس الاتحاد الجزائري بعدا سياسيا ودبلوماسيا أثار حفيظة السلطات الجزائرية التي شعرت بالحرج من تسييس القضية وتوريط الدبلوماسية الجزائرية والدفع بها الى معركة هي في غنى عنها مع الجارة المغرب، التي لم تتردد الجزائر في دعم ملف ترشيحها لاحتضان كأس العالم 2026 في عملية التصويت التي جرت في يونيو/حزيران 2018، رغم الخلافات السياسية بين الحكومتين في عديد المجالات.
رئيس الاتحاد الجزائري لم يكن دبلوماسيا ولا مسيسا في خرجاته الاعلامية، وكان يعتقد أن عدد الأصوات يحسب بعدد الصور الملتقطة مع إنفانتينو ورؤساء الاتحادات الافريقية، واستصغر المعركة الانتخابية واستهان بمنافسيه وأساء للدبلوماسية الجزائرية ومكانة الجزائر عندما ورطها في معركته الخاسرة برفع شعارات تجاوزها الزمن وأساء من خلالها لمكانة الجزائر، وهو الذي لا يحظى في بلده بإجماع الفاعلين في الوسط الكروي، ولا يحظى بدعم السلطات الجزائرية، ولم يضمن حتى استمراره على رأس الاتحاد الجزائري المقبل ولا انتخابات رئيس ومكتب جديد في جمعية عمومية انتخابية في مارس المقبل بدأ يسوق فيها لدعم السلطات الجزائرية له مثلما دعمه النظام السابق الذي نصبه منذ أربع سنوات بالتزوير وبدعم من بارونات المال.
رفض ترشح زتشي في عضوية مجلس الفيفا كان أرحم من خسارة مذلة في الانتخابات، لكنها ستكلفه منصبه على رأس الاتحاد الجزائري وتعرضه للمساءلة بعد ذلك بدون شك، خاصة وأن وزير الشباب والرياضة صار يدرك بأن استمراره في منصبه وزيرا، مرتبط برحيل المكتب الفيدرالي الحالي الذي يختم عهدته بفضيحة جديدة تضاف الى سلسلة طويلة وعريضة من فضائح سوء التقدير والتسيير!
حفيظ دراجي
القدس العربي 28 يناير 2021