hafid derradji

الكيان الإسرائيلي يتمدَّد والعربي يتبدَّد!

منذ بداية التطبيع العربي الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى غاية تدافع وهرولة دول عربية أخرى إلى الركن الإسرائيلي في النصف الثاني من سنة 2020، لم يتغير واقع الشعب الفلسطيني الذي كان حجة المطبعين، ولن يتغير الوضع التعيس للعالم العربي. فبعد تطبيع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب استجابة لضغوطات أمريكية تسعى لحماية إسرائيل أكثر من سعيها لإقرار “سلام وهمي” في منطقة الشرق الأوسط أو حتى شمال إفريقيا كما جرى التسويق له من قبل الحكومات العربية المطبعة التي راحت بدورها تبرر مواقفها برغبتها في حماية الشعب الفلسطيني ودعمه من أجل تحقيق دولته المستقلة، ازداد الاستيطان الإسرائيلي توسعاً وازداد الشعب الفلسطيني اضطهاداً وحرماناً من أبسط حقوقه. وذلك دون أدنى مكاسب للحكومات المطبعة التي فقدت دعم شعوبها المناهضة للتطبيع وستفقد المزيد فيما هو قادم.

صدمات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي

صحيح أن من حق كل الدول العربية إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع من تشاء من الدول في إطار أعمال السيادة، لكن ليس من حقها ممارسة الوصاية على الشعب الفلسطيني ومساومة إسرائيل بالقضية الفلسطينية، كما ليس من حقها المقايضة والتفاوض بدلاً عن الفلسطينيين أنفسهم. وإن كان يحق للقادة العرب التحالف مع الشيطان إذا أرادوا دون الحاجة إلى تبرير مواقفهم، فمن حق شعوبهم التعبير عن رأيها وموقفها بقبول أو رفض التطبيع.
لكن المؤسف والمخجل اليوم لم يعد التطبيع في حد ذاته بل في التبريرات التي يقدمها من نحسبهم على النخبة، الذين يتهكمون على المعارضين ويحاولون استغباء شعوبهم من خلال تشويه الحقائق وتقديم تبريرات وهمية ودوافع خيالية وجدت للأسف الشديد من يصدقها في بعض الأوساط الشعبية التي راحت بدورها تهلل وتصفق وتبارك وتتهكم في وسائط التواصل الاجتماعي على كل من يخالفها الرأي ويندد ويتحسر.

صدمة التطبيع كانت أقل وطأة من صدمة التبرير لأن الكثير من الحكومات العربية كانت ولا تزال تقيم علاقات علنية وسرية مع إسرائيل، لكن ما سوقت له الكثير من وسائل الإعلام عن طريق أبواقها كان أخطر بكثير لأنه يكرس انبطاحاً رسمياً وشعبياً. كما يمهد للمزيد من التنازلات مقابل مزيد من الغطرسة من الجانب الإسرائيلي. وينشر مشاعر الذل والهوان في الأوساط الشعبية التي وصلت مثلاً لدرجة اعتبار الجارة الجزائر سبباً في لجوء المغرب إلى التطبيع مع إسرائيل لحماية نفسه من الخطر الجزائري المزعوم والحفاظ على وحدة أراضيه، وراحت بعض التعاليق تعتبر أن ذلك انتصار على الجزائر التي تهدد الوحدة الترابية المغربية في نظرها. وراحت التحليلات الواردة من الإمارات والبحرين تبرر التطبيع بالرغبة في مواجهة المد الإيراني والتركي، وهي مجرد أعذار أقبح من الذنوب.    

مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية زمان وقعت معاهدات كللت باتفاقيات أوسلو للسلام التي لم تلتزم بها إسرائيل إلى اليوم، لكن الإمارات الرسمية قامت بالتطبيع الأحادي الذي بررته بالتزام إسرائيلي بوقف بناء المستوطنات الذي لم يتوقف أصلاً. وكان التطبيع البحريني بمثابة رسالة سعودية مطمئنة للكيان الصهيوني، تمهِّد للتطبيع العلني. بينما طبع السودان مقابل وعود أمريكية بشطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في حين جاء التطبيع الرسمي للحكومة المغربية مقابل تغريدة في حساب ترامب على تويتر يقر فيها اعترافه بمغربية الصحراء وهو على يقين بأن تغريدته لن تغير من الوضع شيئاً ما لم يتم إقراره من طرف مجلس الأمن الدولي الذي يدعو إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير.

وعود ترامب

الوعود التي قدمها دونالد ترامب للحكومات العربية نظير التطبيع مع إسرائيل قد تتراجع عنها إدارة بايدن أو الكونغرس الأمريكي بعد أيام قليلة من رحيل إدارته وغلق حسابه في تويتر كرئيس للولايات المتحدة، وبالتالي حجب كل تغريداته، مخلفاً آثاراً وخيمة من بعده تهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال غرس جسد غريب لن يتراجع عن حلمه في السيطرة على كل البلاد العربية، بعدما يتسبب في تعميق الخلاف بين دول الخليج، وبين المغرب والجزائر التي يبدو من خلال ردود فعلها الأولى أنها تصر على استمرار غلق حدودها الغربية مع المغرب وتدعيم منظومتها العسكرية تحسباً لأي خطر إسرائيلي، مما يزيد من تعميق الهوة بين شعبين تربطهما علاقات وأواصر أخوة لا نظير لها في العالم العربي.

أما ما خلَّفه التطبيع من سجال وعداء في وسائط التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام بين الشعوب العربية فهو أكبر انتصار حققته إسرائيل في عهد ترامب، التي لا يخدمها تقارب الشعوب العربية والحكومات العربية، لذلك تعمل المستحيل من أجل إذكاء مزيد من الفتن بين مجتمعات تعاني أصلاً من اختلالات اجتماعية واقتصادية، وشعوب تحركها العواطف والمشاعر والنوايا الصادقة، وتتلاعب بها أصوات وأقلام مأجورة تصفق وتهلل وتطبع هي أيضاً على طريقتها عوض مناقشة الأفكار والآراء وتنوير الرأي العام بمخاطر ما يفعله ترامب بإيعاز من اللوبي الإسرائيلي المتوغل في كل دواليب الأنظمة العربية التي رهنت مصيرها برئيس أمريكي أسقطه شعبه في الانتخابات.

الأيام القادمة كفيلة بكشف الخبايا والنوايا، والوعود الكاذبة لإدارة ترامب التي حققت لإسرائيل في الدقائق الأخيرة من عمرها ما لم يتحقق على مدى عقود من الزمن مقابل بعض الأوهام ومزيد من الانكسار والهوان لحكام يحتمون بإسرائيل وأمريكا عوض الاستناد على شعوبهم ومقوماتهم..

حفيظ دراجي

عرب يوست 27 ديسمبر 2020

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل