كل شيء بدأ في صيف 2017 ببيان مفاجئ تعلن فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصار قطر ومقاطعتها إلى غاية التزامها بعدد من الشروط، وكل شيء أريد له أن ينتهي بعد أكثر من ثلاث سنوات ببيان آخر مفاجئ يتحدث عن جهود كويتية وأمريكية، لقي تجاوباً سعودياً-قطرياً، وترحيباً دولياً واسعاً من عديد دول العالم. في وقت لقي البيان شكوكاً إعلامية وشعبية في المنطقة وخارجها لأنه لم يحمل تفاصيل ولا تسمية واضحة لما يمكن اعتباره مصالحة نهائية أو مجرد تهدئة جاءت بعد مباحثات أو مناقشات أو حتى مفاوضات بين أطراف الخصام تقود إلى حل شامل يعني الجميع، أم حل جزئي بين السعودية والقطر الوحيدتين اللتين عبرتا عن ترحيبهما واستعدادهما لتنقية الأجواء، بينما التزمت الإمارات والبحرين ومصر الصمت الرسمي وحتى الإعلامي في البداية بسبب غياب الرؤية وعدم وضوح النوايا، وربما بسبب تردد بعضها في الترحيب بالبيان على الأقل.
لا أحد يشكك في نوايا الكويت الصادقة منذ عهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى ولي عهده نواف الأحمد الصباح، لكن لا أحد بالمقابل يصدق نوايا ترامب في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض وهو الذي كان بإمكانه منع الحصار أو إيقافه قبل اليوم، ولا أحد يصدق هذا الوحي الذي نزل على الجميع فجأة ودون مقدمات، مما جعل التحليلات تتوجه نحو مزيد من الشكوك بدلاً من اليقين في نجاح المصالحة واعتبار الأمر مجرد رغبة أمريكية من إدارة ترامب التي تريد إنهاء عهدتها بحل مشكلة تسببت فيها أصلاً، وتريد دفع أكبر عدد من البلدان العربية إلى التطبيع خدمة لحليفتها إسرائيل وليس للسلام في الخليج أو المنطقة العربية التي تبقى عرضة للابتزاز وكل مخاطر الانقسام.
بيان الكويت اكتنفه الغموض لأنه لم يتضمن تفاصيل بنود اتفاق، ولا ورقة طريق لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يونيو/حزيران 2017 على الأقل، ولم يتضمن إطاراً للمفاوضات على حل المشاكل العالقة وتلك المترتبة عن الحصار، ربما بسبب تردد بعض الأطراف التي ما تزال متمسكة بشروطها ومطالبها قبل أي مصالحة، لكن الأكيد أن البيان كشف عن إرادة قطرية سعودية في المصالحة وتردد إماراتي مصري ربما لا يزال يتمسك بتنفيذ الشروط الثلاثة عشر أو بعض منها على الأقل، في وقت تتمسك قطر برفض كل الشروط المسبقة لأي تقارب، وتتمسك بسيادتها وحقها في استقلالية قرارها خاصة بعدما تمكنت من تجاوز الكثير من تداعيات الحصار وصارت أقوى مما كانت عليه من قبل بفضل سياستها الخارجية المتوازنة مع تركيا وإيران وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، وكذا سياستها الاستثمارية في الداخل والخارج.
المتفائلون يعتبرون بيان الكويت خطوة كبيرة في سبيل كسر الجليد، ويعتقدون بأن الاتفاق سيكون بحاجة إلى بلورة مع الوقت لحل شامل لكل أسباب الأزمة دون خاسر أو رابح، لكن ذلك لم يمنع المتشائمين من طرح تساؤلات بخصوص النوايا والخطوات القادمة، وهل سقطت شروط ومطالب دول الحصار، أم وافقت قطر على بعض منها فقط؟ وهل ستكون مصالحة شاملة أم مجرد تهدئة تبدأ بعودة العلاقات الدبلوماسية وفتح الأجواء الجوية بين كل البلدان، والحدود البرية مع السعودية كخطوة أولى؟ تتبعها خطوات عملية أخرى سيشوبها الحذر الشديد لأن لا أحد من الأطراف يريد الظهور بمظهر الخاسر، ولا أحد يريد التنازل عن مواقفه من أسباب الأزمة التي دخلت عامها الرابع.
البعض لا يزال يعتقد بأن مصير المصالحة ليس بيد إدارة ترامب المنتهية ولايته، بل تحدده الرياض كأكبر قوة سياسية واقتصادية في المنطقة، والبعض الآخر يعتقد بأن الإمارات هي اللاعب الأساسي في فريق دول الحصار وهي صاحبة القرار الأخير بفعل نفوذها وقوة تأثيرها على السعودية والبحرين ومصر، بينما يرى البعض الآخر بأن المفاتيح بيد الدوحة التي تمكنت من تجاوز الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصارت في وضع أحسن يسمح لها بالتفاوض من موقع قوة دون أدنى تنازل، ودون الاستجابة لأي من شروط يونيو/حزيران 2017.
مصير المصالحة
مهما كانت موازين القوة والشكوك والعراقيل فإن استمرار الخلاف الخليجي لن يكون في مصلحة أحد، والحل لن يقاس بمعيار الخسارة أو الفوز، وترحيب قطر والسعودية يحمل بوادر انفراج قريب قد نختلف في تسميته لكننا لن نختلف في مبتغاه ونتائجه التي تتطلب الجهد والوقت لتجاوز الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة بعدما امتدت جذورها إلى الشعوب وخلفت آثاراً نفسية ليكون من السهل تجاوزها، لكن أغلب الظن أن الأمور تأجلت إلى حين تسلم جو بايدن زمام الحكم في البيت الأبيض، وإلا فكيف نفسر هذا الصمت بعد البيان الكويتي؟ وكيف نفسر عدم الإعلان عن موعد ومكان إقامة القمة الخليجية لهذه السنة التي كانت مقررة في المنامة وقد تعقد في الرياض بحضور كل قادة دول مجلس التعاون الخليجي؟
في انتظار ذلك لا أحد اليوم يدري كيف ستكون عليه الأمور لاحقاً، خاصة مع تردد بعض الذين يعتقدون بأن الصلح شر وليس خيراً، في وقت يعتقد البعض الآخر بضرورة انتصار العقل وحكمة الرجال في نهاية المطاف..
حفيظ دراجي
عرب بوست 13 ديسمبر 2020