صنع صخرة ليفربول فيرجيل فان دايك الحدث مجددا في انكلترا بعد الإصابة الخطيرة التي تعرض لها في الركبة أثناء مواجهة ايفرتون والتي ستبعده عن فريقه الى غاية نهاية السنة، ما يعني افتقاد ليفربول لأحد أعمدته الأساسية التي ساهمت بقسط كبير في إنجازات الريدز الموسم الماضي، وساهمت في الحفاظ على توازن الفريق على مدى 130 مباراة لعبها منذ يناير/تشرين الثاني 2018، بفضل قوته في الصراعات، وبراعته في قراءة اللعب وبرودة أعصابه، وهي المقومات التي ساهمت بقسط كبير في الحفاظ على توازن الفريق الذي سيختل بدون شك حسب توقعات المتابعين، وستجبر يورغن كلوب للبحث عن البديل خلال الميركاتو الشتوي رغم تواجد جويل ماتيب وجو غوميز وربما عودة فابينيو لمنصب قلب دفاع، لكن الكل يجمع على أن لا أحد يمكنه تعويض الصخرة الهولندية الذي تمكن من التفوق على ميسي ورونالدو والتتويج بلقب أفضل لاعب أوروبي سنة 2018.
يورغن كلوب يدرك قيمة لاعبه ووزنه لكنه لا يريد اعطاء الموضوع أكثر من حجمه، أو على الأقل لا يريد أن يظهر ذلك في تصريحاته العلنية، حفاظا على معنويات الفريق رغم إدراكه بأن غياب صخرته ستكون له تداعيات كبيرة في ظل غياب البديل والاصابات العديدة التي تعرض لها عدد من لاعبيه بداية الموسم، على غرار أليسون وماتيب وفابينيو وتياغو وكيتا وماني وفيرمينو، وهو الأمر الذي يزعج المدرب الألماني الذي يتوقع موسما صعبا لأن فريقه صار هدفا لكل الأندية المحلية والأوروبية التي تسعى للاطاحة به، خاصة منذ خسارته المذلة بالسبعة أمام أستون فيلا والتي أفقدت فريقه الكثير من هيبته، وأثرت على معنويات لاعبيه الذين سيتأثرون أكثر بالغياب الطويل لبرج المراقبة بسبب جراحة في الرباط الصليبي.
بعض المتفائلين يعتقدون بأن قوة ليفربول لا تكمن فقط في الفرديات حتى ولو كان الأمر يتعلق بالحارس البارع أليسون والمدافع فان دايك أو واحد من ثلاثي الهجوم الرهيب، بل في العقلية التي زرعها كلوب في أذهان ونفوس لاعبيه وروحهم الجماعية العالية التي سمحت لهم مثلا بتجنب الخسارة في الأنفيلد منذ 2018 على مدى 63 مباراة متتالية، وسمحت لهم بالتتويج بثلاثية تاريخية سنة 2019، وجعلت منهم أفضل فريق في العالم في ظرف وجيز أزاح السيتي من على عرشه بأرمادته من النجوم، وسحق تشلسي وأرسنال والمان يونايتد محليا، وكبار القوم في دوري أبطال أوروبا، بعدما تحول إلى آلة تحصد كل من يصادفها رغم اعتماده على نفس التشكيلة في غياب البدائل الكافية في كرسي الاحتياط.
مهما بلغ حجم تفاؤل المتفائلين في محيط ليفربول، ومهما كانت ثقة المدرب في مجموعته، تبقى الحقيقة التي لا يختلف بشأنها اثنان، أن كل لاعبي ليفربول يمكن تعويضهم إلا الحارس أليسون والمدافع فيرجيل فان دايك في ظل ندرة مدافعين من حجمه في الفريق أو حتى في سوق اللاعبين، وحتى الثلاثي فيرمينو وماني وصلاح وجد لهم يورغن كلوب بدلاء عندما غابوا، في وقت يدور الحديث حول استقدام مدافع أياكس أمستردام بيير شورس خلال الميركاتو الشتوي لتعويض غياب الصخرة هذا الموسم رغم وجود ماتيب وجو غوميز، وإمكانية استعمال فابينيو في منصب قلب دفاع.
في انكلترا يؤمنون بأن البقاء ليس بالضرورة للأقوى والأفضل والأكثر ذكاء، بل للذي يتمكن من التأقلم مع المستجدات والمتغيرات الطارئة، ويورغن كلوب في كل مشواره التدريبي كان سريع التجاوب على مدى السبع سنوات التي قضاها في ماينز، والسبعة التي أشرف فيها على دورتموند، ثم منذ خمسة مواسم في ليفربول، وكان دائما يحافظ على توازنه مهما كانت التغييرات رغم تلقيه 15 هدفا في سبع مباريات هذا الموسم في وجود فان دايك ذاته، لكن ألته التهديفية لم تتعطل بل ازدادت قوة وانتاجية خاصة مع انضمام البرتغالي دييغو جوتا صاحب ثلاثية من أصل الخمسة أهداف التي فاز بها على أتالانتا في الجولة الثالثة لدوري الأبطال.
مهما كانت التحليلات والتوقعات فان فان دايك هو مدافع ليس ككل المدافعين بشهادة المدرب واللاعبين، شغلت اصابته الرأي العام الأوروبي والعالمي، وعشاق النادي يدركون وزنه وقيمته في منظومة الفريق لدرجة جعلت حارس ايفرتون بيكفورد الذي تسبب في إصابته، يجند حرسا خاصا لحمايته وأسرته وبيته من انتقام عشاق الريدز بعدما تلقى تهديدات بالموت لأنه تسبب في إصابة صخرتهم التي ستبتعد عن الملاعب لشهور طويلة لم يقدر الأطباء على تحديد فترتها ولا يمكن تحديد تداعياتها على المنظومة الدفاعية بأكملها.
صحيح أن فان دايك ليس هو ليفربول الذي خسر بالسبعة في وجوده أمام أستون فيلا، لكن ليفربول من دون فان دايك لفترة طويلة لن يكون ليفربول الذي عهدناه رغم أنه لم يخسر لحد الأن من دونه في جميع المسابقات، ولم يتلق أي هدف في مبارياته الثلاث في دوري الأبطال لهذا الموسم.
حفيظ دراجي
القدس العربي 5 نوفمبر 2020