صنع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الحدث مجدداً بتسجيله الهدف الـ100 مع منتخب بلاده أمام السويد في الجولة الثانية من مسابقة دوري الأمم الأوروبية، عندما سجل ثنائية رائعة تربع بها على عرش الهداف التاريخي لمنتخب البرتغال والقارة الأوروبية، وبدأ يقترب من تحطيم رقم اللاعب الإيراني علي دائي، أكثر اللاعبين تسجيلاً للأهداف مع منتخبات بلادهم عبر التاريخ بـ109 أهداف مقابل 101 لرونالدو في 165 مباراة دولية مع البرتغال، ليتفوق بالأرقام على كل نجوم الكرة العالميين الحاليين والسابقين حيث سجل 66 هدفاً أكثر من الأسطورة الأرجنتيني دييغو مارادونا، و38 هدفاً أكثر من الظاهرة البرازيلي رونالدو، و27 أكثر من البرازيلي الآخر نيمار دا سيلفا، و32 هدفاً أكثر من الأرجنتيني ليونيل ميسي، وهو متفوق على صاحب الألف هدف الملك البرازيلي بيليه بفارق 23 هدفاً في جميع المسابقات الدولية والمباريات الودية.
الكل كان ينتظر الهدف رقم 100، لكن رونالدو سجل أيضاً الهدف الأول بعد المائة في رسالة قوية واضحة، مفادها أنّ الرجل لا يريد التوقف عن تحطيم الأرقام وصناعة الحدث أينما حلّ وارتحل، ومهما بلغ به العمر (35 سنة) واشتدت المنافسة مع ميسي وغيره من النجوم الصاعدين الذين سيجدون صعوبة في رفع نفس التحديات لاحقاً، خاصة أنه لم يترك رقماً إلا وحطمه محلياً وأوروبياً وعالمياً في انتظار التتويج بكأس العالم الذي ينقص سجله، ويريد أن يختم به مشواره بعد موسمين من الآن، بعدما نجح مع منتخب بلاده في الفوز بلقب بطولة كأس أمم أوروبا، وبأول نسخة من مسابقة دوري الأمم الأوروبية، بعدما تألق في أكبر دوريات العالم في إنكلترا، إسبانيا وإيطاليا، وأحرز خمسة ألقاب في مسابقة دوري الأبطال التي سجل فيها 128 هدفاً، سمحت له بالفوز خمس مرات بالكرة الذهبية.
التوقيت الذي سجل فيه رونالدو الهدف رقم مائة مع منتخب بلاده سيعطيه دفعاً معنوياً كبيراً عشية خوض الموسم الثالث له مع يوفنتوس الإيطالي وهو على مشارف السادسة والثلاثين من عمره، سعياً نحو التتويج بسادس دوري للأبطال مع ثالث فريق مختلف، خاصة أنه بصدد استعادة شبابه كلما أعتقد الناس أنه أنتهى، إيماناً منه بأن الموهبة دون العمل الشاق والجاد لا تجدي نفعاً مثلما يقول كل مرة لمن يسألون عن سرّ التوهج الدائم والقوة المتزايدة التي يتحلّى بها كلما تقدم في السن، خاصة بعدما رفع تحدي مغادرة ريال مدريد الإسباني في سن الرابعة والثلاثين، والالتحاق بـ”اليوفي” الذي كان يعتبره البعض بداية النهاية ومغامرة غير محسوبة ناتجة عن تهور وتسرع في اتخاذ قرار الرحيل، ليتبين أنّ طموحات الرجل وقدراته الفنية والبدنية لا حدود لها، ومن ينتظر نهايته القريبة فهو واهم.
رونالدو لن يتوقف عند العدد 101 من الأهداف و سيحطم رقم الإيراني دائي، وستكون أمامه فرصة تسجيل المزيد من الأهداف عندما تلتقي البرتغال مع إسبانيا، فرنسا، أندورا ثم فرنسا وكرواتيا مجدداً، قبل خوض بطولة كأس أمم أوروبا الصيف المقبل، وسيستمر في اللعب من أجل تحطيم كل الأرقام التي تنقصه ويرفع السقف عالياً أمام كل النجوم الصاعدة التي سيصعب عليها تكرار ما يفعله رونالدو في عالم الكرة مع منتخب لا يضاهي منتخبات إسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لكنه مع ذلك يقود بلاده أوروبياً وعالمياً نحو مزيد من الإنجازات، ليس فقط بمهاراته بل بروحه الانتصارية العالية وإصراره الكبير على قيادة المنتخب وكل الفرق التي لعب لها نحو تحقيق الإنجازات.
“أنا أرى نفسي أفضل لاعب كرة قدم في العالم، إذا كنت لا تعتقد أنك الأفضل في عملك فإنك لن تحقق كل ما تريد”، هذا كلام رونالدو وفلسفته في الحياة التي جعلت منه معشوق الجماهير التي ترى فيه معجزة كروية وإنسانية تبعث الأمل في الحياة لكل من فقد عزيمته وسكنه اليأس أو شعر بالعجز في تحقيق ذاته بما فعله بقدمه وعقله وجوارحه ومهاراته التي جعلت منه ملهماً ومصدر تحفيز للكثير من الشبان في كل مجالات الحياة، وليس في الكرة فقط ضمن ظاهرة ستدون باسم “رونالدومانيا”.
ما فعله ويفعله رونالدو يصنّف ضمن خانة المعجزة الكروية والإنسانية التي لم يسبق لها مثيل، وقد لا تتكرر مستقبلاً بفضل أرقامه القياسية الفريدة وإصراره المستمر على تقديم المزيد رغم سنه الذي لن يمنعه بهذا النسق من رفع تحد آخر بعد نهاية عقده مع “اليوفي” الموسم المقبل، لينضم إلى نادٍ أوروبي كبير يصل معه إلى سن الأربعين بكامل قدراته الفنية والمهارية والبدنية الخارقة.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 12 سبتمبر 2020