اشتد الخناق في الآونة الأخيرة على رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم الذي حسم أمر ترحيله بعد سلسلة الفضائح التي طفت الى السطح، خاصة تلك المتعلقة بالتسجيل الصوتي المشبوه الذي استدعى تدخل العدالة وسجن المتهمين على ذمة التحقيق، وبعد مذكرة الوزارة الأخيرة التي تمنع الاتحادات من اجراء اي تعديلات على اللوائح والقوانين المسيرة، في اشارة الى الاتحاد الجزائري الذي كان ينوي عقد جمعية عامة استثنائية لتحديد سن الترشح للرئاسة بأقل من 70 عاما، وحرمان الرؤساء السابقين من عضوية الجمعية العامة، وكذا تحديد عدد العهدات بعهدتين فقط لكل رئيس، استنادا لأحكام الدستور الجزائري الذي يحدد عدد عهدات رئاسة الجمهورية باثنتين فقط بحسب المكلف بالإعلام للاتحاد الجزائري الذي نسي بأن نفس الدستور لا يحدد سن المترشحين للرئاسة!
المتابعون للشأن الكروي في الجزائر اعتبروا أن مشروع التعديلات التي كانت مقررة في جمعية عامة تعقد في ظروف استثنائية تمر بها الجزائر والبشرية، هي تعديلات لا علاقة له بتطوير الكرة الجزائرية، ولا بمتطلبات الظرف الراهن الذي يقتضي التركيز على استكمال ما تبقى من مباريات الموسم الحالي، أو التفكير في تحضير موسم كروي جديد ينطلق مبكرا في منتصف أغسطس/آب، يأخذ بعين الاعتبار رزنامة دولية وقارية مكثفة تستدعي توفير الشروط اللازمة لمنتخب الكرة المقبل على تصفيات كأس أمم إفريقيا وكأس العالم 2022، عوض التركيز على قطع الطريق على عودة أحد رؤساء الاتحاد السابقين الى رئاسة الاتحاد الجزائري، خوفا من كشف ملفات تسيير مثيرة للشكوك والتساؤلات.
في ظل الفضائح المتراكمة منذ 2017 والارتباك الحاصل على مستوى الاتحاد والرابطة، فان كل المؤشرات توحي بأن السلطات العمومية طوت صفحة المكتب الفيدرالي الحالي في انتظار الفصل في الكيفية سواء من خلال تقديم الرئيس لاستقالته أو إجباره على عدم الترشح مجددا في مارس/آذار 2021 موعد الجمعية العمومية الاستثنائية، وهو الأمر الذي يعتبره الكثير من المتابعين مضيعة للوقت ويجب الضغط على الرئيس لتقديم استقالته في أقرب وقت وتنظيم جمعية عامة انتخابية يتم على اثرها انتخاب رئيس جديد يصلح ما تم إفساده، ويحضر للموسم الجديد ويقول كلمته في انتخابات رئاسة الكاف وعضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقي المقررة في مارس المقبل، والتي تقتضي تواجد الجزائر المغيبة منذ سنوات.
في المقابل، ترى أطراف أخرى ضرورة استكمال العهدة الانتخابية الحالية وإجراء انتخابات في حينها بعد عشرة شهور ومن ثم البحث عن خليفة للرئيس الحالي خير الدين زتشي، خاصة وأن عودة الرئيس السابق محمد روراوة مستبعدة تماما، مثلما هو مستبعد عودة حميد حداج أو غيرهما من الرؤساء السابقين، كما أن انهاء العهدة يسمح للمكتب المسير الحالي من تحضير الموسم الكروي الجديد انسجاما مع الشروط التي تفرضها الفيفا ضمن بروتوكولها الصحي الذي سيكون ملزما ومكلفا لكل الاتحادات المحلية، خاصة للأندية التي لا تملك الإمكانات المادية أصلا لإجراء الفحوصات الطبية على اللاعبين والمدربين والاداريين.
أحد أعضاء المكتب الفيدرالي الحالي حاول في الأيام الأخيرة استمالة أعضاء الجمعية العامة الممثلين في رؤساء الرابطات الجهوية والولائية من أجل الاحتجاج والتنديد بمذكرة الوزير الأخيرة، والتلويح بتدخل الفيفا، لكن محاولاته باءت بالفشل، بل دفعت بعض أعضاء الجمعية العامة إلى التفكير في توقيع عريضة سحب الثقة من الرئيس الحالي وفضح كل الخروقات التي شابت الجمعية العمومية الانتخابية التي نظمت سنة 2017، والخروقات القانونية التي تميزت بها الجمعية العامة العادية الأخيرة التي تقرر فيها تغير نظام المنافسة بطريقة مخالفة للقوانين العامة التي تمنع تغيير نظام المنافسة بعد انطلاق الموسم.
المكتب الفيدرالي الحالي يلعب أيضا ورقة مدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي، ويحاول إيهام الرأي العام بأن مصير بلماضي مرتبط ببقاء أو رحيل المكتب الفيدرالي الحالي، وهو الأمر المستبعد لأن الرجل مرتبط مع بلده الجزائر بعقد طويل الى غاية مونديال 2022، وهو الهدف الذي يريد تحقيقه بلماضي بدون أن يقدر أي رئيس عن زحزحته من مكانه مهما كانت الظروف، خاصة بعد النقلة النوعية التي حققها في ظروف صعبة جدا. من جهته، يبدو رئيس الاتحاد الجزائري مستسلما للأمر الواقع، تحت ضغوطات رسمية وشعبية واعلامية تطالب برحيله منذ مدة، وحتى خيار الاستقالة أو اكمال العهدة وعدم الترشح مجددا لم يعد بيده، بل متوقف على تحضير البديل، خاصة في ظل رفض الرئيس الأسبق محمد روراوة العودة رغم استعداده لتقديم يد العون.
حفيظ دراجي
القدس العربي 18 يونيو 2020