توقف النشاط الكروي في العالم بسبب تفشي فيروس كورونا لم يوقف الجدل واللغط في الأوساط الكروية في الجزائر، خاصة بعد التسريب الإعلامي الأخير لرسالة الفيفا الى الاتحاد الجزائري، المؤرخة في سبتمبر/أيلول 2019، تلزمه فيها بدفع أكثر من مليون يورو مستحقات المدرب الاسباني لوكاس آلكاراز المقال سابقا من تدريب المنتخب الجزائري، ما أثار ردود فعل إعلامية وجماهيرية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي صبت غضبها على المكتب الفيدرالي الحالي، وطالبت السلطات العمومية بالتدخل لفتح تحقيق في سوء التسيير ومسلسل الفضائح المتكررة التي طبعت السنوات الثلاث الأولى من عهدة المكتب الفيدرالي الحالي، التي ستنتهي بعد أقل من عام من الأن بكلفة باهظة بسبب التعويضات التي دفعها ويدفعها.
المدرب الإسباني لوكاس ألكاراز أقيل من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بدون سبب واضح بعد ستة شهور من إشرافه على المنتخب، خاصة وأن عقده كان ينص على ضرورة ضمان التأهل الى نهائيات كأس أمم افريقيا 2019، لكن ضغط الشارع دفع الى رحيله وتعويضه برابح ماجر الذي أقيل بدوره بعدما قضى ثمانية شهور أنهاها بأربعة هزائم متتالية في مباريات ودية، تعرض إثرها لانتقادات لاذعة، دفعت به الى الرحيل، ما كلف الاتحاد الجزائري دفع تعويضات لماجر وطاقمه لم تعرف قيمتها لحد الأن، لأن الطرفين توصلا الى اتفاق ودي لفك الارتباط بدون اللجوء الى الفيفا، عكس المدرب الاسباني الذي لم يقبل آنذاك بالعرض الذي تقدم به رئيس الاتحاد الجزائري لتسوية الوضع، فلجأ الى لجنة المنازعات التابعة للفيفا التي فرضت على الهيئة الكروية الجزائرية دفع كامل مستحقاته التي تفوق المليون يورو.
القرار سيصبح نافذا وملزما بعد البث في الاستئناف الذي تقدم به الاتحاد الجزائري لدى محكمة التحكيم الرياضية الدولية التي ستؤيد الحكم بدون شك، لأن فسخ العقد كان من طرف واحد وبدون سبب، ما يكلف خزينة الهيئة الكروية الجزائرية خسائر مالية تضاف الى تكاليف فسخ عقد ماجر وطاقمه، وقبله تكاليف فسخ عقد المدرب رابح سعدان وعقد مدير المنتخبات الوطنية بوعلام شارف وطاقمه، ضمن سلسلة إقالات قياسية لمدربين واداريين لم يسبق لها مثيل، تضاف الى سلسلة فضائح أخرى وأخطاء في التسيير أدت الى فسخ عقد شركة الألبسة الرياضية “أديداس” الذي كشفت عنه تقارير إعلامية، بدون الحديث عن تكاليف مكاتب دراسات لمشاريع مراكز التكوين التي لم تر النور، ولم يظهر عليها أي خبر لحد الأن قبل نهاية عهدة المكتب الفيدرالي بسنة واحدة.
مصائب المكتب الفيدرالي الحالي لم تتوقف عند هذا الحد، بل زادتها تعقيدا قرارات أخرى للجنة تسوية النزاعات التابعة للفيفا التي فرضت على ثلاثة أندية دفع مستحقات لاعبين محترفين أجانب اشتكوا من تأخر حصولهم على رواتبهم ومستحقاتهم، ستضطر الاتحادية لدفعها من خزينتها لتجنب العقوبات، لأنها هي التي أعادت فتح أبواب الدوري المحلي أمام اللاعبين الأجانب بعدما أغلقه المكتب الفيدرالي السابق بسبب كثرة المنازعات والشكاوى لدى الفيفا من لاعبين أفارقة ومدربين أجانب لم يتلقوا رواتبهم ومستحقاتهم بانتظام من أندية مفلسة لا تقدر حتى على دفع رواتب اللاعبين المحليين.
يأتي كل هذا في وقت تراجعت مداخيل الاشهار بسبب اعادة النظر في قيمة العقد الذي يربط الاتحاد الجزائري منذ سنوات بمتعامل الهاتف النقال “موبليس”، وبسبب اعادة النظر في قيمة حقوق البث التلفزيوني التي كان يدفعها التلفزيون الجزائري، وتراجع الكثير من الشركات المحلية والعالمية عن إبرام عقود اشهار مع اتحاد متوج بكأس أمم افريقيا الأخيرة بفضل منتخبه، الذي صار واحدا من أفضل المنتخبات العالمية منذ مجيء المدرب جمال بلماضي، وكان بامكانه أن يكون مصدر دخل كبيرا من خلال استقطاب كبريات الماركات العالمية، لكن ذلك لم يحدث.
تسريبات إعلامية جديدة تحدثت عن لجان تحقيق تابعة لوزارة الشباب والرياضة بدأت عملها منذ أيام للنظر في كل الملفات التي تناولتها وسائل الاعلام المحلية والمتعلقة بسوء التسيير الاداري والمالي على مستوى اتحاد لم يشفع له التتويج بلقب كأس أمم افريقيا الأخيرة، ولن تشفع له الظروف الصحية العالمية الراهنة التي أوقفت كل النشاطات الرياضية، لكنها لم توقف النزيف المالي لاتحاد كرة كان الى وقت قريب من أغنى الاتحادات في العالم، لكنه تحول في ظرف وجيز الى اتحاد لدفع المستحقات والتغطية على فضائح معلنة وأخرى خفية ستكشفها الأيام، لأنه في تقدير بعض المتابعين قام على مشروع تهديم ما سبق إنجازه، عوض أن يقوم على مشروع استكمال بناء منظومة كروية في مستوى بلد من حجم الجزائر.
حفيظ دراجي
القدس العربي 7 مايو 2020