الاعلان المفاجئ لاتحادات الكرة في السعودية والامارات والبحرين مشاركتها في كأس الخليج بعدما اعتذرت عن ذلك سابقا، صنع الحدث في شبكات التواصل ووسائل الاعلام المحلية والعالمية خلال الاسبوع الماضي، بسبب تداعيات الحصار المفروض على قطر منذ أكثر من سنتين من جيرانها الثلاثة، حيث ذهب البعض الى الاعتقاد بأن بداية الانفراج تلوح في الافق، في حين كانت ردود فعل آخرين محتشمة وحذرة، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي لأن القرار جاء من دون مقدمات، ومن دون بوادر انفراج في الازمة التي تعود الى يونيو/حزيران 2017، عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصارا متبوعا بإجراءات عقابية بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة مرارا، واتهمت الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
صحيح ان قرار المشاركة يحمل طابعا سياسيا أكثر منه رياضيا، يحمل مؤشرات ايجابية رحبت بها الأسرة الكروية في الخليج، لكنه لن يكون بداية الانفراج في اعتقاد بعض المتابعين للشأن الخليجي، لأن المشكلة مع قطر سياسية وليست رياضية، وحلها لن يكون سوى سياسي، المشكلة هي الحصار الذي تتعرض له قطر، ولن تحل سوى برفع الحصار بدون شروط قبل الجلوس الى طاولة الحوار مجددا لاعادة ترتيب البيت على اساس الاحترام المتبادل لسيادة الحكومات والشعوب، خاصة وأن الدوحة والرياض وأبوظبي استقبلوا طيلة هذه الفترة فرقا ومنتخبات رياضية بكل الود والاحترام، بل كانت المواجهات رياضية بحتة سمحت احداها لقطر بالتتويج بكاس أسيا على الاراضي الاماراتية.
المشاركة في حد ذاتها وتنقل المنتخبات المشاركة في رحلات مباشرة الى الدوحة، فيهما بداية ولو رمزية لكسر الحصار البري والبحري والجوي، وتخفيف لحدة التوتر، لكن يصعب الاعتقاد بأن الأزمة التي دامت أكثر من سنتين وبلغت درجة كبيرة من الاحتقان، ستحلها مشاركة رياضية لمنتخبات دول الحصار في كأس الخليج، ليبقى تثمين المبادرة والاستثمار فيها ضروريين لعودة الدفئ في العلاقات بين دول المنطقة وشعوبها في انتظار تدابير عملية تبادر بها دول الحصار التي قاطعت الشقيقة الصغرى وحاصرتها في سابقة تركت أثارا سلبية كبيرة على كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ترحيب قطر واستعدادها لاستقبال المنتخبات والجماهير السعودية والاماراتية والبحرينية بمناسبة كأس الخليج قد يساعد على اذابة الجليد بين الشعوب ويفسح المجال للمعاملة بالمثل والسماح بالمقابل للقطريين من دخول أراضي دول الحصار، ووقف الحملات الاعلامية المسيئة، ومن ثم التمهيد لعودة العلاقات الخليجية ولو تدريجيا وتجاوز كل الشروط المسبقة التي فرضت على قطر، وكانت عقبة في وجه كل مبادرات الصلح التي قادتها الكويت بالخصوص، بقيادة أميرها، الذي أرهقته الأزمة وكانت سببا في تدهور حالته الصحية من شدة الأسف والحسرة.
ردود فعل الرسميين على قرار المشاركة في كأس الخليج التي تنظمها قطر، كانت حذرة ولم نسمع أو نقرأ موقفا واحدا ثمن المبادرة أو قلل من شأنها لدى الدول المعنية بالأزمة، ما عدا دولة الكويت التي رحبت رسميا، وهي التي كانت اتخذت موقفا محايدا منذ بداية الأزمة، سمح لها بقيادة مبادرات صلح عدة باءت بالفشل قبل بروز هذه البادرة، وستسمح لها بالتأكيد بمواصلة مساعيها بعد كأس الخليج. أما ردود الفعل الاعلامية و الشعبية في البلدان الخليجية المعنية، فكانت محتشمة بدورها، حتى في شبكات التواصل التي اكتفت باعطاء الخبر بدون تعليق، بعدما كانت الطرف الأكثر تفاعلا مع الحصار، خاصة في أيامه الأولى عندما شكل صدمة للجميع وشهد تطرفا في الفعل ورد الفعل، بلغ درجة كبيرة من الاساءة، وكشف عن حقد دفين لدى بعض النفوس المريضة.
فك الحصار ثم التواصل المباشر والحوار بين المسؤولين في دول الخليج، أو بوساطة كويتية بدون شروط تعجيزية مسبقة، سيكون السبيل الوحيد لانفراج الأزمة رغم قناعة الكثير من المتابعين بأن العلاقات لن تكون في الظرف الراهن كما كانت عليه زمان، بسبب بلوغ مستوى الاساءة درجة غير مسبوقة ساهمت في زعزعة الثقة بين جميع الأطراف، وهو العامل الذي كان أساس العلاقات الخليجية قبل أن تنزلق الأمور لدرجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ بلدان وشعوب الخليج، بسبب تهور بعض الاطراف التي اعتبرت طموحات قطر ورغبتها في التحليق بأجنحتها خروجا عن الصف الخليجي، خاصة منذ فازت بتنظيم كأس العالم 2022 الذي كان مربط الفرس، في وقت كان يمكن أن يكون حدثا يزيد من ترابط كل دول وشعوب منطقة الخليج.
حفيظ دراجي
القدس العربي 21 نوفمبر 2019