توج رياض محرز بطلا للدوري الانكليزي الممتاز مع ليستر، ونال جائزة أفضل لاعب في انكلترا، وجائزة أفضل لاعب في افريقيا سنة 2016، صار حديث العام والخاص، ثم انتقل الى المان سيتي بداية هذا الموسم في واحدة من أغلى الصفقات، ليصبح واحدا من الأساسيين والمهمين في تشكيلة غوارديولا التي تعج بنجوم ارتفع مستواهم بازدياد المنافسة بينهم على المراكز ورغبتهم في الفوز بثقة مدربهم، فلقي محرز الثناء والتقدير والاعتراف من كل المتابعين في انكلترا وأوروبا الا في بلده، حيث يعتبره البعض في مختلف المنابر الاعلامية مجرد لاعب عادي ما لم يسجل كل أسبوع مع ناديه، وما لم يقد منتخب بلاده للفوز في كل مباراة ليتخلص من تهمة التقاعس في أداء واجبه مع المنتخب الجزائري!
لقد ذهب البعض لدرجة المطالبة بالاستغناء عن خدماته في المنتخب الجزائري عوض البحث عن الأسباب التي أدت إلى تراجع مردود محرز ومن ثم دعمه وتشجيعه والوقوف إلى جانبه، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بمحرز بمفرده بل بكل اللاعبين المغتربين ومزدوجي الجنسية، وعلى رأسهم ابراهيمي وفيغولي وبن طالب وتايدر وماندي وحتى مبولحي الذين فقدوا توازنهم وثقتهم ورغبتهم في اللعب للمنتخب، فتراجع مردودهم فعلا مع منتخب بلادهم في وقت يبدعون فيه كل أسبوع مع أنديتهم، أين يلعبون في ظروف مريحة ومناسبة بعيدا عن حملات التشكيك والتخوين التي يتعرضون لها في الجزائر ما دفع اتحاد الكرة ذات مرة إلى نشر بيان مشؤوم على موقعه يشترط فيه على الدوليين المغتربين التحلي بالروح الوطنية كشرط أساسي للالتحاق بالمنتخب، وهو شرط لم نسمع به في تاريخ كرة القدم العالمية!
صحيح أن مستويات لاعبينا المحترفين ومردودهم الفردي والجماعي مع المنتخب في تراجع منذ العودة من مونديال البرازيل، لكن الجزائر لا يوجد فيها اليوم العشرات من أمثال رياض محرز، وابراهيمي، فيغولي، وتايدر وبن طالب، كما أن المشكلة في نظر الكثيرين لا تكمن في اللاعبين ومستوياتهم التي تراجعت بقدر ما تكمن في الظروف المحيطة والنفسيات المحبطة والمعنويات المنحطة التي يتخبطون فيها، ولا يمكن مقارنة أداء لاعب مع ناد يتدرب معه كل يوم ويلعب معه كل أسبوع بأدائه مع منتخب يلتحق به معدل مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، منتخب هو في الأصل مهدم بفعل هؤلاء وأولئك المنتقدين والحاقدين على رياض محرز وزملائه منذ تألقهم في مونديال البرازيل!
في كل منتخبات العالم يتم الاستغناء عن اللاعبين الدوليين الذين يتراجع مستواهم بصفة دائمة أو مؤقتة، وتعويضهم بآخرين أحسن منهم بدون إهانتهم أو تخوينهم والتشكيك في قدراتهم، لكن في الجزائر يتعرض الدوليون المغتربون إلى حملات عداء منظمة منذ إخفاقهم في التأهل إلى مونديال روسيا، ما أثر على نفسياتهم ومردودهم وجعل بعضهم يفكر في الاعتذار عن عدم اللعب مع المنتخب تجنبا لتبعات الحملات التي تعرضوا لها من طرف الاتحاد الجزائري وبعض المحللين والاعلاميين، خاصة بعد تراجع الأداء والنتائج على مستوى المنتخب بسبب التغيرات العديدة على مستوى الطاقم الفني بمعدل مدرب واحد لكل ستة أشهر في الفترة الماضية قبل مجيء جمال بلماضي الذي وجد منتخبا محطما معنويا ونفسيا فاقدا لهويته من الناحية الفنية بسبب التكسير والتهديم الذي تعرض له، خاصة في عهد ألكاراز وماجر.
المدرب الجديد للمنتخب الجزائري يحاول جاهدا إعادة بعث الروح في نفوس لاعبيه تحت ضغوطات كبيرة متواصلة تدعو للاستغناء عن كوادر المنتخب، ما عقد من مأموريته رغم امتلاكه لجيل متميز ينشط في أفضل الأندية والدوريات يقدم الامتياز كل أسبوع، لكنه يفقد توازنه وتركيزه عندما يلتحق بتربصات المنتخب بسبب اتهامهم بالتخاذل وحملات التشكيك التي يتعرضون لها منذ مدة بدون أن يحاول الاتحاد حمايتهم وتدعيمهم مثلما تفعل الجماهير الوفية وبعض المحللين والإعلاميين المحترمين في بعض المنابر الإعلامية وشبكات التواصل، إدراكا منها بأن محرز هو مفخرة الجزائريين والمنتخب في حاجة الى مساندة ودعم وتشجيع ليعود إلى مستواه وليس إلى إهانة وتهكم وتشكيك.
مسلسل التهديم الذي تعرض له المنتخب الجزائري لم يكن بريئا، والمقارنة بين محرز السيتي ومحرز المنتخب الجزائري ليست عادلة، لا تستند الى أسس فنية، غايتها خبيثة ونواياها سيئة، صادرة عن مرضى بحاجة الى أخصائيين نفسانيين لمعالجة معاناتهم من مكبوتات داخلية تحركها الغيرة والحسد، غايتها تكسير جيل ذهبي لا يتوفر عليه أي منتخب افريقي أو عربي اليوم، ولا يملك الجزائريون له بديلا في دوري محلي لم يعد ينجب المهارات بقدر انتاجه للنظريات المتخلفة والكلام الفارغ الذي لا يمت بأي صلة للعقل والمنطق، ولا للعلم والفكر الكروي الحديث الذي يعتبر لاعب كرة القدم ملكا لناديه الذي يدفع له راتبه وليس لمنتخب بلاده، يتم استدعاؤه للفريق الوطني عند الحاجة إليه ليؤدي واجبه معه، وإذا لم تكن لديه القدرات لفعل ذلك فلا داعي للاستعانة به واحتقاره بالنظرة الدونية. محرز هو مفخرة الجزائريين ينشط في أقوى دوري في العالم، وفي فريق يصنف من بين الأبرز عالميا، ومن يراه بمنظار النقد بدون أن يحقق جزءا مما قام به رياض فقد وضع نفسه في موضع المهرج.
حفيظ دراجي
القدس العربي 15-11-2018