الحضور الجماهيري الغفير في المباراة الأخيرة للمنتخب الجزائري بتصفيات كأس أمم أفريقيا، رغم تأهل “الخُضر” إلى النهائيات منذ الجولة الرابعة، صنع الحدث، وخطف أنظار المتتبعين، الذين يستوقفهم التوافد الغفير والتعلق الكبير للجزائريين بمنتخبهم وبلدهم في كل مكان وزمان، رغم الإخفاقات المتكررة في المواعيد الكروية الأخيرة، حيث امتلأ ملعب المجاهد حسين أيت أحمد في مدينة تيزي وزو عن آخره بجماهير جزائرية جاءت من كل مكان تشهد أول مباراة دولية تحتضنها المدينة، رددت النشيد الوطني بصوت واحد وساندت منتخبها وشجعته، واستمتعت بأجواء هي الأجمل في أفريقيا والوطن العربي دون منازع، زادها جمالاً ملعب جديد مزين بألوان شبيبة القبائل والأعلام والأهازيج الوطنية.
ما يقارب 50 ألف متفرج حضروا مباراة شكلية ضد ليبيريا، وتفاعلوا فيها مع الأهداف الخمسة بالحماسة نفسها، صنعوا أجواءً تحلم بها كل منتخبات العالم، وكأن الأمر يتعلق بمباراة مصيرية، وليست مجرد تحصيل حاصل دون تأثير بمصير المنتخب، وهو الأمر الذي انعكس بالإيجاب على نفوس اللاعبين ومردودهم، الذي يتحسن من مباراة لأخرى، مثلما يتحسن أداء الجمهور وتفاعله، وتتحسن ظروف توافده وحضوره في مدرجات كل الملاعب والمدن، التي احتضنت مباريات المنتخب في الفترة الماضية، فلم يتغير سلوك المناصرين من ملعب لآخر، مثلما لم يتأثر عشقهم وتعلقهم، رغم الإخفاقات الثلاثة الأخيرة، وأمام غينيا في الجولة الثالثة من تصفيات كأس العالم في الجزائر.
ورغم الخروج من الدور الأول لنهائيات كأس أمم أفريقيا مرتين متتاليتين في الكاميرون سنة 2021 وكوت ديفوار عام 2023، وقبلهما الإقصاء من التأهل الى مونديال قطر 2022، فإن الحضور الجماهيري الجزائري لم يتأثر، ولم يتراجع تفاعله وحبه وعشقه، بل ازدادت الجماهير تعلقاً بمنتخبها وبلدها من خلال حضورها الغفير في كل المباريات، بما في ذلك الودية، وعبّرت عن دعمها للمدرب واللاعبين، بغضّ النظر عن مستواهم ومردودهم والنتائج التي يحققونها، والملاعب والمدن التي يخوضون فيها مبارياتهم في الجزائر العاصمة وتيزي وزو وقسنطينة ووهران أو عنابة، حيث يجد المنتخب الجزائر الحفاوة والدعم والتشجيع نفسها، وكأنهم رجل واحد بقلب واحد وعقل واحد.
حتى المهاجرون وأبناؤهم يبدون تعلقهم بمنتخب بلادهم، بمن فيهم الأطفال الصغار الذين ولدوا وترعرعوا خارج الجزائر، فيحضرون مباريات المنتخب في الجزائر وخارجها، ويحلمون بحمل ألوان المنتخب مهما كانت الإغراءات، إذ تزايدت أعدادهم في المنتخب بشكل لافت منذ سنوات على غرار الوافدين الأخيرين: إبراهيم مازا وأمين شياخة، ولم يعد الخيار لديهم يطرح أساساً بين بلدهم الأصلي وبلد التنشئة، إذ يكبر الجميع على حب الجزائر والتعلق بها، وهي ظاهرة أخرى تنفرد بها الأجيال الصاعدة، مثلما تنفرد جماهير الكرة بتعلقها بمنتخب بلادها ووقوفها معه في كل الظروف بشكل استثنائي.
وفي كثير من البلدان العربية والأفريقية يكون الانتماء والتعصب للأندية أكثر من منتخباتها، خصوصاً في مصر وتونس، التي ينقسم فيهما الجمهور بين أهلاوي وزملكاوي، وعاشق للترجي وآخر للأفريقي، فيما تشهد مباريات المنتخبين حضوراً جماهيرياً ضعيفاً، وإن حضر الجمهور، فإنه يحمل لافتات النوادي، ويلبس أقمصة الأندية التي يتعصب لها أكثر من تعصبه للمنتخب، واهتمامه بتفاصيله وجزئياته، التي تبقى حديث الساعة في وسائل التواصل الاجتماعي الجزائرية، التي يتحدث روادها عن المنتخب يومياً، وتتابع أخبار لاعبيها الدوليين في أنديتهم الأوروبية، بالموازاة مع اهتمامهم بأخبار نواديهم ومتابعة شؤون الدوري المحلي، خصوصاً منذ تدشين مرافق وملاعب جديدة في مستوى تطلعاتهم.
الجميل في الظاهرة الجماهيرية الجزائرية المتجذرة في نفوس الجزائريين، أنها تعلق وحب، وليست تعصباً وحقداً على المنافس، حتى ولو اختلف الجمهور نفسه حول المدرب واللاعبين ورئيس الاتحاد، لكن يوم المباراة ينسى الجميع ميولهم، ويتفقون حول الجزائر، وضرورة دعم منتخبهم في كل الظروف.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 23 نوفمبر 2024