الأجواء الجميلة والرائعة التي شهدها ملعب المجاهد الراحل حسين أيت أحمد بمناسبة تدشينه الرسمي بمباراة الدوري الجزائري بين شبيبة القبائل وأولمبيك أقبو ، كانت في مستوى سمعة الفريق وأنصاره، وفي مستوى الاسم الذي يحمله الملعب من حيث الحضور الجماهيري أولا، ثم التنظيم الجيد لدخول وخروج المناصرين، ثم أرضية الميدان التي كانت رائعة ، سمحت بتقديم طبق شهي وصورة جميلة ، تنم عن وعي كبير بضرورة الحفاظ على واحد من أروع المرافق الرياضية في الجزائر ، وينسينا ما حدث في مناسبات سابقة وملاعب أخرى جديدة وقديمة طالها الإهمال وتعرضت لخسائر كبيرة بسبب تصرفات بعض الأنصار وسوء التسيير والصيانة.
جماهير الشبيبة كانت في مستوى سمعة فريقها و عظمة الاسم الذي أطلق على الملعب، وفي مستوى الحدث والمرفق الذي انتظرته منذ الاستقلال، فكانت منسجمة و ملتزمة ومنظبطة كعادتها، اختلطت مع جماهير الصاعد الجديد أولمبيك أقبو، وصنعت فرجة كبيرة طيلة أطوار اللقاء ، وحتى بعده عندما قامت بتنظيف المدرجات قبل أن تغادر الملعب وهي سعيدة على أمل العودة بعد أسبوعين لاستقبال الغريم مولودية الجزائر، والعودة بعد ذلك لاستقبال مباريات المنتخب الجزائري لأول مرة في تاريخ مدينة كرة القدم التي تستحق فعلا مرفقا رياضيا بهذا الحجم ، لن تتوانى في الحفاظ عليه مهما كانت الظروف لأنه يساهم في عودة فريقها إلى سكة البطولات والتتويجات .
دخول وخروج مناصري الشبيبة وأولمبيك أقبو الى مدرجات ملعب حسين أيت أحمد كان سلسا ومنظما ، حيث وجدوا ظروفا ملائمة لمتابعة المباراة، دفعت بهم إلى تنظيف مدرجاته بعد نهاية المباراة ، انطلاقا من وعيهم أن المرفق هو ملك لهم و لفريقهم الذي يستحق ملعبا في مستوى تاريخه وشعبيته ، وتطلعاته نحو العودة إلى الواجهة المحلية والقارية باعتباره الفريق الجزائري الأكثر تتويجا، و واحد من أكثر الفرق شعبية في الجزائر ، أشرف عليه رجال أكفاء ولعب له نجوم كبار عبر تاريخه الحافل ، وبقي جمهوره وفيا له رغم الظروف الصعبة التي مر بها في السنوات القليلة الماضية.
ما حدث في تيزي وزو بمناسبة استضافة الشبيبة لأولمبيك أقبو في الجولة الثانية من عمر الدوري الجزائري، يحفز بقية المناصرين على الاقتداء بعشاق الفريقين في التصرف والتعامل ، ويدفع بالمسؤوليين على المرافق الأخرى الجديدة والقديمة الى تنظيم المباريات بنفس الشكل من الاتقان، بالتعاون مع رجال الأمن ولجان الأنصار المطالبة بدورها بالقيام بواجبها على أكمل وجه ، حتى تتحول مباريات الكرة الى مصدر للفرجة والمتعة والمحبة، بعيدا عن الاحتقان الذي يولد العنف والحقد والكراهية ، ويتسبب في تخريب مرافق رياضية تعتبر ملكا للجميع، كلفت الخزينة العمومية أموال طائلة .
تسيير المرفق وصيانة أرضية ميدانه و مدرجاته ومختلف مرافقه، والحفاظ سيشكل تحديا كبيرا في المستقبل ، رغم ضبابية الصورة وعدم تحديد الجهة المكلفة بذلك سواء في ملعب ميلود هدفي بوهران، أو ملعب نيلسون مانديلا في براقي، أو حتى ملعب حسين أيت احمد في تيزي وزو الذي تتكفل به مؤقتا مديرية الشباب والرياضة التي نجحت في رفع التحدي ، ما يدفع السلطات العمومية إلى تحديد جهة محددة تتكفل بتسيير المرفق كمؤسسة عمومية اقتصادية وتجارية مستقلة، و تتكفل بتسيير وصيانة الملاعب الجديدة التي تم تشييدها في وهران ، براقي ، والدويرة ، وتلك التي تمت إعادة ترميمها في عنابة، قسنطينة و ملعب خمسة جويلية.
جماهير الكرة في الجزائر تستحق مرافق جميلة ومريحة وآمنة ، تستمتع فيها بمشاهدة مباريات أنديتها في ظروف مواتية يساهم في صناعتها اللاعبون و المسيرون و المنظمون ورجال الأمن على حد سواء، بعيدا عن كل أشكال العنف والفوضى الاحتقان والتعصب الذي يشكل خطرا على الأرواح والممتلكات العمومية، بدلا من النظام و الحب والاحترام والروح الرياضية التي يجب أن تسود بين أبناء البلد الواحد، لنقدم صورة مشرقة عن شباب واع ومتحضر .
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 29 سبتمبر 2024